من وحي النكبة!


صورة ملف ‏مصطفى محمد سيدالبشير‏ الشخصي ، ‏ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏لحية‏‏‏‏
مصطفى محمد سيدالبشير‏.

كأسراب جراد منتشر تحجب هذه الحُمُرُ الشمس عن رمال الصحراء .. مستنفرة من ملك ظالم قطع أمره بكلمات كاذبة خاطئة و وعود غاوية واهية، إذ كانوا يحسبونه على شيء قبل اكتشاف أعينهم أن عواصف الصحراء لا تذرو الذهب في جيوب الغاصبين.
آخر أيام أكتوبر ١٩٨٥ .. تزحف ماكينة القتل و الدمار على القرى الصحراوية الواقعة شمال البلاد، و شيئا فشيئا تتحول بلدة جديرية إلى قبر جماعي تليها شقيقاتها من البلدات المُدْرجة في لائحة الموت المعدة مسبقا .. من فك الإبادة الذي لا يرحم فر من مفر تلقاء قبلة الثوار حيث لا خوف و لاحزن أما البقية فأبتلعتها التراب .. كيف؟ .. وحده الجاني يدري كيف قتل الضحية و بأي ادات و أي ذنب!
لم تكتف كاسحات الأرواح التي تمشط الأرض بحثا عن أثر صحراوي تخفيه من على وجه الأرض أو تطحنه بسلاسل الدبابات و إطارات الشاحنات .. لم تكتف بما أقبرته فحلقت الطائرات إلى أجواء عذراء ظلت هادئة حتى حين، و الهدف؛ كلما هو صحراوي .. أم دريكة تقف فی لجظة رعب لا تُنسى وسط أجوااء يتسَيدها الهلع، إذ السماء تمطرة حِمما و من حولهم عالم به صمم يقولون ليت لنا من الأمر شيء.
هل من مغيث؟ تتساءل الأمهات الثكلى و الأرامل فيما تزدحم في أفواه الصبية الأیتام ليعات الصياح المببل بالدموع؛ أبي أمي! و قد تلقفهما الموت الغادر على حين غِفلة.
غير بعيد عن هذا المشهد الأسود يتغنى القاتل ب"مسيرته الخضراء" فعيونه العمياء مصابة بإختلاط الألوان فيما يرقص على جثث ضحاياه طربا بما وصله عَدّاد الموت .. أنغامه فيها صيحات المستغيثين العزل و دوي قنابله و أزيز طائراته التي تخيم في الأجواء.
اليوم و بعد مرور ردح من الزمن تلاشى غبار الأقدام السوداء جزئيا من أجواء جديرية المنسية كما تلاشى عن سماء غيرها من البلدات و القرى الشاهدة على بشاعة مجازر أكتوبر٧٥ لكن أعمدة ذلك الغبار مازالت تأخذ مساراً تصاعدياً في الذاكرة الجماعية الصحراوية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...