** الى من فارقنا، إلى أحمد الشيعة
أبكيك وأنا اللاحق غدا، فلو كنت السابق لبكيتني وفجرت البكاء بتعابير يعجز عنها أقطاب الرثاء، فسامحني إن فاضت كلماتي ببحر من دموع العزاء. وأنا المتيقن أنك لا تحبذ أن تراني بفقدانك مهموما مكسور الجناح فاقد الدفة ممزق الشراع. لكن ما عساي أن أفعل وقد فارقني مَنْ في درب الحياة كان لي خِلا وظلا، كان في متارس الثورة بلسما وجوهرة تشع أنوارها بالسخاء والعطاء، تتلألؤ هالتها لتحمينا من قتامة وشوائب تلك الأيام الضّباع. فكم كنت فريدا في طباعك وشخصك، في ذكائك وعبقريتك. أمام كتاب كنا نسهر الليالي علّنا نغترف من علمه النزر القليل، أما أنت فكنت استثناءً، تتناوله برهة، تقلب صفحاته لحظات بين يديك ترمقه بنظرات، ثم تغلق دفتيه، وتبدأ بكشف مكنوناته، وتلخيص أفكاره وكأنك أنت كاتبه ومؤلفه. كانت شخصيتك باقة من شخصيات لا أحد سواك قادر على جمعها في وئام وانسجام، فـكنت مع الطفل طفلا تسبقه إلى عالمه، بل تجعله يركب خيلا ويشيّد دنىً من خيال. ومع العامل البسيط ندّ تنزل في دنياه ورؤاه فتحلو له معاشرتك ومجالسك لأنه يرى نفسه منعكسة في مرآة كلها نقاوة وصفاء، ومن تلقاء نفسه يبدأ في الصعود إلى أعلى إلى التفاؤل وصقل الذا