مرشحة الرئاسة الفرنسية مارين لوبان.. أسعفتها جرأتها فخذلتها خبرتها

مرشحة الرئاسة الفرنسية مارين لوبان.. أسعفتها جرأتها فخذلتها خبرتها
ليلى الثابتي/ الأناضول
لم ترث عن والدها جان ماري لوبان حزب "الجبهة الوطنية" الذي أسّسه في 1972 فقط، وإنما ورثت عنه جرعات الكراهية ذاتها للمسلمين والمهاجرين، ونفس العداء للآخر ولليبرالية بانواعها إن كانت سياسية أو اقتصادية.
مارين لوبان، مرشحة اليمين المتطرّف للرئاسية الفرنسية المقررة في جولتها الأولى في 23 أبريل/ نيسان الجاري، اختزلت صورة المرأة القوية والحديدية المشبعة بمواقف تتبنى الانعزالية السياسية والقومية الاقتصادية، وتسعى للاستفادة من ورقة خبرتها الطويلة في السياسة طمعا في الإطاحة بخصمها المرشح المستقل إيمانويل ماكرون.
لوبان التي تضعها استطلاعات الرأي في فرنسا اليوم في طليعة السباق الرئاسي، تجرّ وراءها عقودا من الخبرة السياسية المنبثقة عن محطات فارقة في حياتها العائلية والشخصية، ما دفعها إلى المضي على خطى والدها، والإنحشار أقصى اليمين مع إضفاء تعديل ومراجعات طفيفة على مسار والدها، سعيا وراء تخليص حزبها من الصورة النمطية التي لطالما خصمت من رصيده الانتخابي. 
** تفجير وطلاق مهّدا باكرا لبناء شخصية متطرّفة
ولدت لوبان في 5 أغسطس/ آب 1968، وهي أصغر بنات جان ماري لوبان من زوجته الأولى بيريت لالان.
عند بلوغها الثامنة من عمرها، وتحديدا في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1976، أي بعد 4 سنوات تقريبا من تأسيس والدها لحزبه، عايشت لوبان تفجيرا استهدف منزل عائلتها الباريسي، من قبل بعض أعدائه.
ومع أن الحادثة لم تخلّف خسائر بشرية، إلا أنها تركت في نفس الطفلة أثرا لم يمّحي بعد ذلك، وجعلتها تستوعب على صغر سنها حجم المخاطر والتحديات التي يواجهها والدها بسبب مواقفه المتطرّفة.
المحطة الثانية الفارقة في حياتها كانت طلاق والديها في 1984 بينما كانت لا تزال مراهقة في الـ 17 من عمرها. ضربة قاصمة أدخلتها الحياة السياسية مبكّرا، حيث بدأت بحضور اجتماعات والدها، وأدخلتها أيضا في علاقة مع المكلّف بالاتصالات لـ "الجبهة الوطنية"، لوران دي سان أفريك.
احتكاكها المبكّر بالسياسيين أظهر مواهبها في فن الخطابة، وهو ما دفعها لدراسة القانون، فكان أن حصلت العام 1992، على الماجستير في القانون الجنائي من جامعة باريس، ثم بدأت العمل كمحامية، ومن بعدها مستشارة قانونية لحزب والدها.
تزوجت في 1997 من عضو بالحزب يدعى فرانك شوفروي، وأنجبت 3 أطفال قبل أن ينفصلا لاحقا عام 2000، وتتزوج بعد عامين من مسؤول بحزب والدها يدعى إريك لوريو، غير أنها انفصلت عنه أيضا، لتدخل في علاقة مع نائب رئيس الحزب لويس اليوت.
وفي 2004، انتخبت عضوا في البرلمان الأوروبي، ثم أعيد انتخابها في 2009.
** وتر "الإعتدال" في التطرّف
ترأست حزب والدها منذ 16 يناير/ كانون ثان 2011، ومنذ ذلك الحين تعزف لوبان على وتر تعديل الصورة النمطية لحزبها، والابتعاد قدر الإمكان عن السياسة اليمينية المتطرفة والمعادية للسامية، غير أنها حافظت على نقاط تقاطع عديدة مع سياسة والدها، من ذلك معاداتها للإسلام والمهاجرين والإتحاد الأوروبي.
شنت لوبان حربا ضروسا على الإسلام معتبرة أن هذا الدين هو مصدر المشاكل في فرنسا، وأن المسلمين يشكلون "خطرا" على الهوية الفرنسية، تماما كالمهاجرين، ولذلك تعهّدت بالحد من دخول اللاجئين إلى فرنسا بمعدل 10 آلاف إلى 20 ألف سنويا في حال وصولها إلى الإليزيه.
وعدت أيضا بالحد من وصول المهاجرين إلى الخدمات العامة، وناهضت بشدة ارتداء "المايوه الشرعي" أو ما يعرف بـ "البوركيني" على الشواطئ الفرنسية، معتبرة في مقابلة لها مع الإخبارية الأمريكية، "سي أن أن"، في سبتمبر/ أيلول 2016، أن هذا اللباس هو من "أعراض التعصّب الإسلامي".
وأضافت أن البوركيني "يتمحور حول مطالب صممت لتقول: 'نحن المسلمون نريد أن نأكل ونعيش بطريقة مختلفة، ونريد أن نرتدي ثيابا مختلفة، وفرض قوانينا الخاصة على الجمهورية".
"حقد دفين" إزاء الإسلام دونا عن غيره من الديانات، مع أن لكل ديانة خصوصيتها سيما في ما يتعلق بالثياب، أظهر تحاملا "ممنهجا"، وفق مراقبين، من مرشحة اعتنقت التطرّف في المهد قبل أن تتشبّع مبكّرا بأدبياته.
ففي 2010، شبّهت لوبان، خلال كلمة ألقتها بمدينة "ليون" (جنوب) في إطار حملتها الانتخابية آنذاك لرئاسة "الجبهة الوطنية"، المصلّين خارج المساجد بـ "المحتلّين النازيين".
ولئن برأها القضاء الفرنسي أواخر 2015، من تهمة التحريض على الحقد على خلفية ما سبق، إلا أنها تمكنت جزئيا من منح الانطباع بأنها أقل تطرّفا من والدها، وهذا ما يسّر لها الاستيلاء على أصوات اليمين ووسط اليمين.
** خبرتها السياسية.. الورقة المحروقة
خلال أوّل مناظرة تلفزيونية بين أبرز مرشحي الرئاسة الفرنسية، في 20 مارس/ آذار الماضي، حاولت لوبان استثمار خبرتها السياسية الواسعة، لتسليط الضوء على حداثة خصمها ماكرون سياسيا وعدم نضجه، لحسم نوايا التصويت لصالحها.
بدت لوبان حينها مستفزّة أكثر من اللازم وواثقة درجة الغرور، وهذا ما رأى مراقبون أنه قلب عليها الطاولة، ودفع استطلاعات الرأي باتجاه وزير الإقتصاد السابق، حيث أظهر استطلاع رأي أجري في الليلة نفسها عقب المناظرة، تقدّم ماكرون على لوبان في الجولة الأولى للإنتخابات.
وأظهر الإستطلاع الذي أعدّته شركة "إيلاب" الفرنسية، حصول ماكرون على 26 % من الأصوات مقابل 24.5 % لزعيمة اليمين المتطرّف، أي بتحسّن قدره 0.5 % في نسبة التأييد له مقارنة باستطلاع أجري قبل المناظرة مباشرة، وتوقّع فوز ماكرون في الجولة الثانية بـ 64 % مقابل 36 % لمنافسته.
خبرة واسعة خذلت صاحبتها قبل أقل من شهر على السباق المصيري، وقد يكون مسارها السياسي الطويل هو ما منح هذا "الخذلان" أكثر من بعد ومن معنى، خصوصا في ظل الإشكالات القضائية التي تواجهها اليمينية المتطرفة في إطار التحقيق معها بقضية توظيفها لمساعدين وهميين لصالح 23 نائبا من حزبها في البرلمان الأوروبي.
غير أن حظوظ المرشحة تظل وافرة، رغم ما تقدّم، في ظل السيناريوهات المفتوحة لإقتراع يصعب التكهّن لنتيجة واحدة له، وفي ظل تصاعد التيارات الشعبوية في أوروبا عموما، مع أن تجربة الانتخابات البرلمانية التي جرت في 15 مارس/ آذار الماضي، وأفرزت فوز حزب ليبرالي محافظ على آخر يميني متطرف، بيّنت بالكاشف أن لصناديق الإقتراع كلمة مغايرة تماما لكل ما يسبقها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...