الحالة الجزائرية في عمق الانتخابات الفرنسية

Image result for ‫واسيني الاعرج‬‎
واسيني الاعرج

بعد مرورو 55 سنة على اتفاقيات إيفيان التي قادت إلى استقلال الجزائر، لا تزال قضية الاستعمار تشغل الأجيال المتعاقبة من الفرنسيين. فقد أصبحت الجزائر جزءاً حيوياً ونقاشياً صارماً في صلب الانتخابات الفرنسية منذ زمن.
 الهجرة المغاربية والجزائرية تحديداً، على الرغم من كونها ضائعة، وغير منظمة في شكل انتيلجنسا فعالة ومقاومة لفرض وجودها، لأن مكونها الأساسي عمالي، وغير مثقف على العموم على الرغم من انتماءاته النقابية العديدة، بالخصوص اليسارية، إلا أن حضور هذه الهجرة حاسم، إذ تتحرك وفق الخطر المحدق بها. لا تظهر في فترات السكينة بالخصوص الصراع بين اليمين واليسار التقليديين، ولكنها تشعر بالخوف كلما اقتربت الجبهة الوطنية المتطرفة من الإيليزيه، فتتنظم وتتجند للوقوف حاجزاً بين فوز المتطرفين الذين يعتبرون الهجرة سبب كل ويلاتهم المجتمعية. في الانتخابات الماضية التي جمعت، فرانسوا أولاند بخطاب يساري إنساني في عمومه، وساركوزي بخطاب تعدى التقاليد الفرنسية التضامنية، ليتحول إلى خطاب عنصري مفتوح ومعلن، والذي لم يعد في وقت ساركوزي على الأقل، جرما يعاقب عليه القانون إذ أصبحت الكزبنوفوبيا حديثا عاديا، امتلأت في اليوم الفصل، مراكز التصويت بالمغاربيين والأفارقة والكثير من العرب والآسيويين، الذين احتفلوا بأعلام بلدانهم في ساحة الجمهورية ليلة انتصار أولاند بفارق صغير كانوا هم وراءه، مما جعل رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، تتساءل أين نحن؟ في إفريقيا، في المغرب الكبير، أم في فرنسا؟ المغاربيون، والجزائريون تحديداً، يَزِنون بشكل ثقيل في هذه الانتخابات، في زمن أصبحت الخطابات الفاشية والعنصرية مفتوحة، ولا يخاف أصحابها من الإجهار بعدائهم. فقد أعلنت مثلا رئيسة حزب الجبهة الوطنية مارين لوبان أنها، في حالة فوزها، ستطلب من غير الأوروبيين، من حملة الجنسية المزدوجة، أن يختاروا جنسية واحدة، إما الأصلية أو الفرنسية. وهو أمر لم يحدث إلا في الفترات الأكثر سواداً في فرنسا، حينما ربطت الجنسية بالدين بالنسبة لليهود، وتم الدفع بهم نحو جهنم المحارق، كما في أحداث الفالديف. 
وها هو نفس الربط اليوم يمارس، لكن بالإسلام هذه المرة، في صورة تعميمية لا يتم فيها التفريق بين القتلة والإرهابيين، والمسالمين الذين لا يطلبون أكثر من العيش في سلام. لهذا، لم تفكر مارين لوبان في الذهاب إلى البلاد العربية باستثناء لبنان، لأنها تشعر كأنها لا تزال محمية فرنسية. استقبلت فيها بحفاوة على مستوى رفيع قبل أن يرفض استقبالها مفتي لبنان، لا بسبب موقف سياسي مشروع بسبب عنصريتها المعلنة، ولكن لأنها رفضت أن تغطي رأسها. ليس جديداً أن تلعب ماربين لوبان على فكرة المسيحية والظلم المسلط على المسيحيين من خلال محنهم الحقيقية، وتفجير كنائسهم، مع جهل كلي للبنان وتاريخه الديني. استغلت مارين لوبان أيضا، قبل أيام، زيارة ماكرون للجزائر وإدانته لفرنسا بارتكاب جرائم ضد الإنسائية في حربها ضد الجزائر حيث قال: إنها جريمة. جريمة ضد الإنسانية. همجية حقيقية، وهي جزء من ماض علينا مواجهته، والاعتذار ممن كانوا ضحية لهذه الممارسات. وأضاف مخففاً من تصريحه: فرنسا كانت من وراء وثائق حقوق الإنسان في الجزائر ولكنها يبدو أنها نسيت أن تقرأها. فيون أيضا لم يكن حيادياً في هذه العلاقة، رجع إلى فكرة الاستعمار، فانتقد ماكرون، واتهمه بتمزيق وحدة الشعب الفرنسي، إذ قال إنه لا يليق برئيس دولة محتمل، أن يستعرض الجراحات التي لا تزال حية ومؤلمة. قبل أن يذهب إلى مقاطعة بيربينيون في 14 أبريل/نيسان لملاقاة المرحلين الفرنسيين من الجزائر، والحركة (الخونة) أي المجموعة الجزائرية التي تعاونت مع المستعمر الفرنسي وتركت لمصير تراجيدي، والتأكيد للطرفين وعيه وتعاطفه مع مشاكلهما. قام فيون بذلك في بلدية ينتخب فيها نصف سكانها على الجبهة الوطنية المتطرفة، إذ يدير بلديتها لويس آليوت، نائب رئيس حزب الجبهة الوطنية. إن فكرة مزايا الاستعمار التي عادت إليها مارين لوبان، والتي سبق ان رفضها البرلمان الفرنسي، وآخر الرؤساء الديغوليين، جاك شيراك، تحت ضغط اللوبيات المعادية للاستعمار، والمتعاطفين مع ثورة الجزائر، شكلت جزئية مهمة من خطابها الانتخابي. فقد ضربت أمثلة شديدة الغباوة. فتحدثت مارين لوبان عن المنشآت الكبيرة التي تركها الاستعمار للجزائريين كالطرقات، والعمارات، والمدن والمستشفيات: أنا، ومعي كل من ذوي الأحاسيس الصادقة، مقتنعون بأن مزايا الاستعمار كبيرة؟ ما دمنا نتحدث عن الجزائر بالخصوص، المستشفيات، الطرقات، والمدارس التي شكلت البنية التحتية للبلاد. وتناست السيدة لوبان أن الجزائريين ظلوا يعيشون في الجهل، في العشوائيات، حيث صودرت منهم أراضيهم ورموا نحو الفراغ، وسُرقت منهم حياتهم على مدى قرن ونيف، وكل البنى التحتية التي تحدثت عنها، كانت ممنوعة عليهم. من دون الحديث عن الجرائم التي ارتكبها الاستعمار في حق الملايين.
 كل هذا طبعا لا تراه عينا مارين لوبان الاستعمارية. حبذا لو سألت والدها عن الجرائم التي ارتكبها، وهو ضابط في الجيش الفرنسي في الجزائر، وكيف عاد من هناك حاقداً، مظلماً، لا يرى إلا بعين واحدة كل ما كان يحيط به، ساخطاً على كل ما يمت بصلة للجزائر، والعرب، والمسلمين، واليهود الذين اعتبر مأساتهم ومحارقهم مجرد قوس في التاريخ. طبعا، مارين لوبان، بهذا الموقف، ترد على ماكرون الذي أدان الاستعمار بوضوح وبشكل غير مسبوق، لحظة مروره بالجزائر، كاسباً ود الجزائرين المرتبطين بالمثل الانسانية الكبيرة التي دافعت عنها فرنسا دائما في فترات تاريخها الحي. 
صحيح أن المصلحة الانتخابية كانت هي المتحكم في الزيارة، لكن أيضا الحقيقة التاريخية تبدت للعيان بشكل أوضح. عندما عاد ماكرون إلى باريس وجد أن اللوبي الذي لم ينفصل عن التاريخ الاستعماري في أطروحاته، في حالة غليان، فاضطر إلى التوضيح، والتراجع قليلا، لكن موقفه في الجوهر ظل هو هو. وبينت الإحصائيات الأخيرة أنه خسر العديد من النقاط بسبب موقفه الصريح ضد الاستعمار، استدركها لاحقا. يكاد يكون الاستعمار وويلاته، نقطة خلاف جوهرية يتحرك المرشحون وفقها، وفي مناخاتها. جيلان يتصارعان: جيل في أواخر عمره لا يزال تحت وطأتها بالخصوص اليمين، وجيل شاب ليس معنياً إلا بالتاريخ، لكنه يجد صعوبة كبيرة في الاختراق والاعتذار للجزائر عن جرائمه، لتصبح كلمته مسموعة.
 في كل الأحوال، تظل الجزائر التي تبعد عن مرسيليا أقل من ساعة طيراناً، وباريس أقل من ساعتين، تظل موضوعاً انتخابياً حاداً، ناهيك عن الفرنسيين من أصول الهجرات الجزائرية والمجموعات المهاجرة التي تجنست وتشكل اليوم نسبة عالية من المنتخبين، من غير الذين عاشوا في الجزائر ولا يزالون يحملون عاطفة خاصة للبلد الذي ولدوا وكبروا فيه. معادلات الهجرة تتغير باستمرار. 
وعلى الرغم من الهجرات غير الشرعية التي أصبحت مرئية، في السنوات الاخيرة، يظل الجزائريون أقل هجرة من غيرهم بسبب الاستقرار النسبي والرخاء المالي الذي مسّ كل القطاعات، ومضاعفة الرواتب بسبب ارتفاع أسعار النفط، وبسبب إدراك الكثيرين من الذين ركضوا وراء وهم الهجرة والحياة الساحرة، للحقيقة المرة. سرعان ما عادوا بخفي حنين، إذ وجدوا الأبواب مغلقة ، وأن فرنسا الخرافية التي في رؤوسهم لم يعد لها أي وجود يذكر. فرنسا نفسها عرضة لمشكلات بنيوية وهيكلية وسياسية كثيرة عمقت الشقاق في المجتمع الفرنسي، وزادت من حدة الأمراض الكبيرة، فجعلتها تطفو بشكل ظاهر، كمعضلات الهوية، والعنصرية، ومعاداة الإسلام والعرب بسبب استفحال الظاهرة الإرهابية وانعكاسها بشكل ظاهر على الشعب الفرنسي وعلى حياته اليومية. لقد تخطت الحالة الجزائرية عتبات المشكلة الطارئة لتتحول إلى رهان سياسي كبير، وانتخابي مهم، طبعاً.
منقول عن :القدس العربي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...