كيف أصبحت الصهيونية سابِقَة علينا.. ونحن الأصل؟ مشروع ترامب وبنس ونتنياهو والصهيونية العربية هو اعتاق الفلسطينيين وليس تحررهم

Khalid-faresPhoto-2-(1).jpg

خالد فارس

تم حل مسألة العبودية فى أميركا بواسطة تسوية تاريخية بين البيض فى الشمال والبيض فى الجنوب, والتى أدت ليس الى تحرير العبيد سياسياً, بل الى اعتاق لهم من العبودية. ادى ذلك الى نشوء مجتمع “ابيض” يفرض سطوته وسيطرته, وتم اخراج السود من العملية الاجتماعية, من المجتمع, لانهم لم يكن لهم دور حقيقى فى هذا التوافق, فى عملية تحرر سياسى.

تشكل المجتمع الامريكى على نموذج تراتبى, يمنح “المجتمع الابيض” تفوقاً عن طريق اخراج مجموعة بشرية من العملية الاجتماعية. استمر ذلك الوضع من القرن التاسع عشر الى منتصف القرن العشرين, عندما انطلقت حركة الحقوق المدنية. على الرغم من ذلك مازال “المجتمع الابيض”, يعتقد أن أميركا هى للبيض.

ففى أحد أوجه فوز ترامب فى الانتخابات, نقرأ ردة فعل المجتمع الأبيض على فوز رئيس ليس أبيض, الرئيس أوباما. سعى هؤلاء الى استعادة “المجتمع الابيض” الذى يتفوق على الآخَر فى الداخل, وعلى الآخَر فى الخارج. لهذا رفع ترامب شعار “استعادة أميركا أو أميركا أولاً” وهو يقصد أميركا “المجتمع الأبيض”.

يمكننا قراءة موقف ترامب من العلاقة مع اليهود الصهاينة على ذات الأسس. تحالف “المجتمع الابيض” الامريكى, بقيادة ترامب ونائبه بنس, هو استراتيجية لضمان تفوق البيض فى الداخل الامريكى, لِما للصهاينة  من قوة داخل المجتمع الامريكى, وفى الخارج لأنهم رأس حربة لمشروع  تَفَوّق أميركا فى الخارج, أو فى ترجيح ميزان قوى الصراع بين الامبرياليات فى الوطن العربى.

يتعامل ترامب مع الفلسطينيين على أنهم “عبيد”, ولابد من اعتاق لهم, وليس تحريرهم, عن طريق التوافق مع القوى “الاصلية”: رؤية اليهودية الصهيونية ورؤية “المجتمع الأبيض” الامريكى. العبودية عندهم ليست عيباً, أنما مجرد مرحلة كان لابد منها, كذلك الاحتلال الاسرائيلى.

رؤساء أميركا الأوائل توماس جيفرسون, جورج واشنطن, جيمس ماديسون, جيمس مونرى, أندرو جاكسون, حكام أميركا الأوائل, من مالكى العبيد. كذلك اليهود الذين هاجروا من بريطانيا الى اميركا البريطانية ابان الحكم الكولونيالى. لهذا فان ملكية الآخر, أو تفوق اليهود و”المجتمع الابيض” على الآخر, أمر طبيعى فى الثقافة السياسة والاقتصادية للصهيونية و”المجتمع الأبيض” الامريكى.

يأتى اعتراف ترامب بالقدس تأكيداً على أصالة الرؤية الصهيونية,اسبقية اليهودية والصهيونية, وتمكين تفوقها على العرب, وعلى الفلسطينيين. فالحل الذى سيتم طرحه يقوم تشريعات تحمل بنود حقوق دستورية ومواطنة متساوية للجميع.

وجد ترامب أساسًا لاستراتيجيته فى الواقع السياسى الفلسطينى والعربى.

عندما يعترف الفلسطينيون بالكيان الاسرائيلى, سواء ضمن تشكيلة أوسلو أو تشكيلة الاحزاب السياسية فى فلسطين المحتلة عام 1948, فانهم بذلك يمنحون الصهيونية صك اعتراف تاريخى, وضمنياً اعتراف بالدولة اليهودية الصهيونية. لقد ربط وعد بلفور الصهيونية باليهودية, ونحن اليوم نقول ليهود العالم, بأن “اسرائيل” الصهيونية هى وطنكم, فنحن نعترف به. أما مسألة الاعتراف بالدولة اليهودية, فأصبح مسألة شكلية.

استطاعت الصهيوينة أن تجعل وجهة العقل الفلسطينيى فى عام 1948 وعقل أوسلو, بان يبحث عن شرعيته ضمن الدولة الاحتلالية, وبالتالى يبحث عن مشروع تعايش أو اندماج.

كيف؟ لأن أى مشروع تعايش أو اندماج, لا بد من أن  ينطلق من مايسبقه, أو ماهو سابق عليه, له أسبقية عليه apriori, فأنت تندمج أو تتعايش مع ماهو موجود و سابق عليك.

فى الفلسفة, قمنا بتأسيس ميتافيزقيا الصهيونية, أى جعلنا منها “أصلاً, نقى الوجود”.

أصبح المشروع الوطنى الفلسطينى عبارة عن تجريبية سياسية تبحث عن مكان فى “الأصل الصهيونى”. وتحول العقل الفلسطينى من استراتيجى الى تقنى تجريبى, فالعقل التقنى والاداتى الفلسطينى أسقط من حساباته أن يكون الأصل والاسبقية له. الصراع أنقلب من كون الاسبقية للفلسطينيين الى الاسبقية للصهيونية!!!.

 لقد وقعنا فى فخ تاريخى عندما اعترفنا بدولة “اسرائيل”, بدلاً من أن نقول أنه على اليهود أن يندمجوا فى المنطقة العربية, وعليهم اذا أرادوا ذلك أن يتحرروا من الصهيونية العنصرية الفاشية, تحول الأمر وأصبح المطلوب منا أن نتحرر من مشروع الوطن الفلسطينى من البحر الى النهر أو القومى العربى, ونندمج مع المشروع الصهيونى. انه انقلاب أصحاب التاريخ على ذاتهم الوطنية.

مجرد القبول بمشروع اندماجى أو تعايش فى-أو-مع دولة الاحتلال الصهيونى, فاننا نكون قَبِلْنا بالعنصرية, مُنطلقاً لنظرية الحقوق الوطنية. أفقدتنا هذه الرؤية قدرتنا التاريخية على التحرر السياسى, وأصبحنا مثل عبيد أميركا ننتظر الانعتاق, بواسطة القوانين والدساتير.

لايوجد حلول مع العنصرية والفاشية والنازية والاستعمار سوى التخلص منها. وماعدا ذلك فهو مكر تاريخى يؤدى الى استغباء الذات الوطنية. عبيد أميركا, قبلوا بالاندماج دون أن يكون لديهم مشروع تحرر من العنصرية. وقبلوا بالدستور الذى يمنحهم حقوق مواطنة على الورق.

هزيمة المشروع القومى العربى, يتجلى فى منح “اسرائيل” وجوداً ثابتاً, أصبح حقيقة سابقة, وبالتالى كل ما سيأتى يجب أن يأتى كحل بَعْدِى. , وجد ترامب فى ذلك الفجوة التاريخية.

القدس العربي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...