حالة المسلمين *(الوعي)، (اليقظة)، (النهضة)،


الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله
تردَّد على أقلام الكتَّاب العرب وعلى ألسنة خطبائهم منذ عهد قريب، كلمات: (الوعي)، (اليقظة)، (النهضة)، منسوبة إلى الإسلام أو مضافة إلى المسلمين، والكلمة الأولى منهن حديثة الاستعمال في المعنى الاصطلاحي المراد منها، وإن كانت عريقة النسبة في معناها الوضعي، و(الوعي) في معناه الاجتماعي الذي يعنيه هؤلاء الكتَّاب والخطباء؛ إدراكٌ بعد جهلٍ، و(اليقظة) في قصدهم تنبُّهٌ بعد غفلة، و(النهضة) معناها حركةٌ بعد ركود.
فهل هذه الأقلام والألسنة متهافتة في هذه الكلمات تصف حقيقة، أم تصور خيالاً؟ فإن الصفات لا تتحقق إلا بظهور آثارها في الخارج، وبشهادة الوقع الذي لا يمارى فيه لها
والوعي الحقيقي: يصحبه رعي ويعقبه سعي، واليقظة الحقيقية: يصحبها علم لا هوينا فيه، ويتبعها عمل لا تردد فيه، والنهضة الحقيقية: يصحبها حزم لا هوينا فيه، ويتبعها عزم، ويسوقها إقدام لا إحجام فيه، إلى غاية لا اشتباه فيها، وهل هذه الآثار وهذه الدوال موجودة حقيقة في المجتمعات الإسلامية؟
لا نثبت فنكون متفائلين في موضوع لا ينفع فيه التفاؤل، ولا ننكر فنكون مثبطين في مقام ينفر فيه التثبيط، إنما نقول مقررين للواقع إن شاء الله:إن المعاني الحقيقية للألفاظ الثلاثة لا تظهر إلا إذا سبقتها إرهاصات أو أمارات، كما يسبق الفجر طلوع الشمس، وأدلُّها تقارب القلوب وتعارف الشخوص، أو تجاوب الشعور، وتجانس الأفكار، وتعاطف الأرواح، وتهيؤ الطباع إلى الاستحالة من صبغة إلى صبغة، وإلى الانسلاخ من جلدة إلى جلدة، وصدق التوجيهات من النتائج إلى المقدمات، ومن الوسائل إلى الغايات، وسهولة التغلُّب على المضائق، وسرعة الاستجابة إلى داعي الحق إذا دُعيَ إليه، وخفَّة الإقدام إلى الأمام، وتلمُّس القيادة الرشيدة، والشعور بالحاجة إلى توحيدها، وغير ذلك من العوارض التي تظهر لمثل هذه الأطوار من حياة الأمم، وهل هذه الإرهاصات موجودة؟ نعم يوجد بعضها القليل، ولكن آفته الكبرى أنه متَّجه إلى غير القبلة المشروعة، وإن الرياح تسوق سُحُبه إلى غير أرضنا!! لنخرج من النفاق الغرَّار الخادع إلى الصدق والصراحة فنقول: الموجود من تلك الأشياء الثلاثة هو السماء مفسرة في الغالب بغير معانيها، مصوَّرة بغير صورها الحقيقية، وإذا فسد التصور فسد التصوير؛ لأننا ما زلنا نبني تصوراتنا على أُسس من الأماني، ونزجها بالفال ومعاني الفال، فلا تنتهي بنا إلى الأعمال، وإنما تنتهي إلى الخيال ثم إلى الخبال، وما زلنا على بقية من الافتتان بالتفسيرات القاموسية التي تقول لنا مثلاً: إن اليقظة هي الصحو من النوم، ولو أن نائماً صحا من نومه صحواً كاملاً، ولم يبق في أجفانه فتورٌ ولا ترفيفٌ، ولكنه بقي في مضجعه لم يعمل عملاً، ولم يأت شيئاً من مستلزمات الصحو ونواقض النوم، لكان هذا كافياً في تحقيق المعنى القاموسي، ولكنه لا يفيد المعنى الاجتماعي، بل يُعد كما لو كان يغطُّ في نومه، وكذلك تقول في معنى اليقظة ومعنى النهضة، تصحيح معاني هذه الكلمات يستلزم إصلاحاً شاملاً للمفاسد النفسية، ويتغلغل إلى مكامن الأمراض فيها، فيطهرها ليبني العلاج على أصلٍ صحيحٍ وإلى عروق الشر منها، فيمتلخها ليأمن النكسة، ومردُّ ذلك كله إلى الأخلاق، فهي أول ما فسد بيننا، فتكون أول ما أفسد علينا كل شيء، فلتكن هي أول ما نصلح إن كنا جادين في تثبيت الوعي واليقظة والنهضة... لأن الأخلاق إذا استقامت تفتَّحت البصائر للوعي وتهيَّأت الشواعر لليقظة، وانبعثت القوى للنهضة. فكان الوعي بصيراً، وكانت اليقظة عامَّة، وكانت النهضة شاملة وكانت الحياة لذلك كله كاملة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...