الدنيا مواقف.. لا “مع الواقف”!


Resultado de imagen de ‫قادة بن عمار‬‎
قادة بن عمار
كاتب صحافي

أكثر درس نتعلمه من رحيل أحمد قايد صالح أنّ الدنيا مواقف وليست “مع الواقف”، فقد كان سهلا على قائد الجيش أن يقف مع الرئيس بوتفليقة وشقيقه، مطبِّقا سياسة “الأرض المحروقة” لإنقاذ العهدة الخامسة أو على الأقل تمديد الرابعة، لكنه اختار أن يقف مع الشعب، ويضع حدّا لدولة الفساد والاستبداد، مُنهيا سطوة العصابة التي مارست كل شيء ما عدا بناء الوطن.
كانت تلك الفترة التي أعقبت الحراك الشعبي وبدايته، فترة صعبة جدا ودقيقة، فترة ليست مكشوفة التفاصيل حتى الآن، لكن الأكيد أن السعيد بوتفليقة ومعه الجنرال المتقاعد توفيق، وثالثهما الجنرال بشير طرطاق، شعروا أن الراحل أحمد قايد صالح سيقف حينها ضد مشروعهم ويحبطه، وإلا ما كانوا قد فكروا بالانقلاب عليه وسحب البساط من تحت قدميه، قبل أن يباغتهم بقرار القيادة العسكرية مجتمعة بتطبيق المادة 102 من الدستور وخلع الرئيس بوتفليقة ثم محاسبة أركان نظامه بشكل غير مسبوق.
الدنيا مواقف وليست مع الواقف.. أمرٌ قد يبدو غريبا بالنسبة لكثير من الجزائريين، خصوصا لمن تعوَّدوا على رؤية مسؤولين وبينهم جنرالات، يتخذون ما يحلو لهم من قرارات خلف مكاتب مغلقة، لكن المسألة اختلفت هذه المرة، فتمّت مبادلة السلمية التي أظهرها الملايين بسلميةٍ تمسك بها الجيش ومختلف القوى الأمنية، فباتت تلك الحالة التي لم تُرَق فيها قطرة دم واحدة مثار إعجاب العالم، ومصدر إزعاج لدى الكثير من الدوائر المشكّكة والمتربصة في الداخل والخارج.
صحيحٌ أن المرحلة التي تلت هذه المواقف، شهدت سجالا حادّا بخصوص الخيارات المتاحة وحول المبادرات المقترحة، فاجتهد المجتهدون، ووافق الموافقون، وعارض المعارضون، لكن الفشل في التوصل إلى حلول، لم يكن خطأ جهةٍ دون أخرى، بل أظهر هذا الشحّ في التوافق وجودَ فرق كبير بين من يرقُب الخلاص ومن يسعى إليه.. وبين من يصنع الحلول الصعبة ومن يستفيد منها.
“الجيش لا يريد ممارسة السياسة”، هذه كانت كلمات أحد قايد صالح، لكن ذلك لا يعني أن الجيش لم يتحمّل الكثير من أوزار السياسيين، خصوصا بعدما قرّر أن يظهر متمسِّكا بالمسار الدستوري وإن شابته بعض الثغرات والعثرات، على أن يدخل التاريخ بانقلاب عسكري جديد، لن يصمد أحدٌ في مواجهة تبعاته. يبقى أن الرجل وإن غيّر نظرة كثير من الجزائريين إلى الجنرالات، فإن رحيله بشكل مفاجئ يأتي في مرحلة صعبة، تتزايد فيها التحديات وتتعاظم المسؤوليات، مقابل انتعاش آمال كبيرة يعلقها الجزائريون على العهد الجديد، لعل وعسى نعثر بين تفاصيله على حلول تُنقذ الوطن، وتحفظ إرث من رحلوا عنا بقدر، فكلما احترمنا هؤلاء سيعيشون بيننا أكثر.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...