من “الموسطاش” إلى “الصالح”

تشاء الأقدار أن يتزامن رحيل فقيد الجزائر، الفريق المجاهد أحمد قايد صالح، مع ذكرى وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين.. رجلان أبكيا عموم الجزائريين، وبين السبعينيات والألفية الثانية، الكثير من المتغيّرات والمستجدات، لكن تتقاطع مبادئ الأبطال مواقف الرجال، عند حب الجزائر والذود عن المواطن، وعند الدفاع عن شعب يستحق التقدير والتبجيل، وهذا هو الذي يجعل هذا الشعب يلتف حول محبيه وكلّ “موسطاش” جهر بانتمائه للشعب.
صدق من قال، أنه من الصعب أن تـًضحك الجزائري، وكذلك من الصعب أن تـُبكيه.. فإذا أضحكته، فأعلم أنك منه، تعيش ما يعيش وتتألم لما يؤلمه.. وإذا أبكيته، فأدرك أنه أحسّ بك، وصدّقك، فذرف الدموع بدون حساب.. وهو ما حدث في جنائز الأبطال، في جنازة هواري بومدين، وجنازة محمد بوضياف، وآخرها جنازة قايد صالح، وكلهم من نفس الجيل، ونفس الرعيل من المجاهدين الذين ضحوا بالنفس والنفيس على هذا الوطن.
يتذكّر الجزائريون ويستحضرون ذاكرة وذكرى الهواري، تزامنا مع تشييع جنازة الفقيد رئيس أركان الجيش.. الرجلان يلتقيان في الكثير من المواقف، أهمهما ولاؤهما للشعب، ورفضهما لأي “وصاية” أجنبية، وهذه الثنائية، أحبّت الجزائريين فيهما، لأن كلّ جزائري يعيش بـ “النيف والخسارة”، وعزة النفس والأنفة، وهذه من بين المفاتيح التي تجعل القائد يدخل قلوب عامة الناس من دون استئذان ودون سابق إنذار.
في ديسمبر انتقل إلى رحمة الله، بومدين، والآن قايد صالح، مجاهدان فقدهما البلد، وهذا قضاء الله وقدره، لكن، خصالهما جعلتهما يحظيان بجنازتين رسميتين وشعبيتين، أظهرتا للعالم أن الجزائريين يكرمون شهداءهم وأبطالهم، في حياتهم ومماتهم، وهو سرّ تلاحم وانسجام وتوافق، قد لا يتوفر عند غيرنا من الشعوب والدول، التي يبدع فيها هؤلاء وأولئك بترديد شعار “عاش الملك.. مات الملك”، من أجل البقاء والاستمرار مع اللاحق دون تخليد السابق !
الجزائريون لا ينكرون السابقين، واللاحقون يحفظون لهم الجميل إن هم صانوا الوديعة وأدّوا الأمانة، ولهذا لم ينس الشعب الجزائري هواري بومدين، ومازال الكثير منهم يحتفظ بصوره وخطبه الخالدة بعد 41 سنة من الرحيل، وحتى الجيل الذي لم يعايشه، لا يذكره اليوم إلاّ بخير، بعدما سمع عن بطولاته وتضحياته من آبائه وأجداده، وهو ما سيحدث مع الراحل قايد صالح الذي كرّمه الجزائريون بجنازة مليونية تليق بالكبار.
هذا هو الجزائري، يؤمن بأن من “لا يشكر الناس لا يشكر الله”، ولذلك، فهو لا “يبخس الناس أشياءهم”، ويذكر محاسن موتاه، ولا يخشى في ذلك لومة لائم، وقد كانت جنازة “القائد الصالح”، مشابهة حسب المتابعين والحاضرين في الجنازتين، لجنازة “الرئيس الموسطاش”، وكلاهما جهر بأنه “وليد الشعب”.. وطبعا من سار وساير الشعب فلن يخسر ولن يندم ولا هم يحزنو !
بقلم : جمال لعلامي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...