اليابان والقوة العسكرية المحدودة


ا

أزعج رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي كثراً في بلاده ورفع مستوى القلق في آسيا بإعادة تفسير الدستور السلمي لليابان بما يتيح لها أداء دور حازم أكثر مما فَعَلت منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى رغم أن تحولاً في دور الجيش الياباني لم يكن مقبولاً من أطراف عدة، إلا أن سياسات آبي القومية تجعل التغيير هذا أصعب على الابتلاع في منطقة تحتاج إلى تقليص التوتر. لا مجال للمبالغة في معنى ما فعله آبي. ويسمح الدستور الياباني الذي فرضه الجيش الأميركي منذ العام 1947 للجيش المعروف بـ «قوة الدفاع الذاتي» بالقيام بعمليات دفاع عن النفس. ويعني ذلك أن القوات المسلحة كبيرة العدد والمزودة تكنولوجيا متقدمة، محظور عليها الانخراط في «الدفاع الجماعي عن النفس»- أي مساعدة البلدان الصديقة التي تتعرض إلى هجوم- وهذا ما يلجم (الجيش الياباني) أكثر بكثير من جيوش دول أخرى.
ومع إعادة تفسير الدستور، تبقى أمام الجيش الياباني ضوابط على ما يستطيع فعله، ولكن سيُسمح له للمرة الأولى، على سبيل المثال، بالمساعدة في الدفاع عن السفن الأميركية التي تتعرض لهجوم وتدمير الصواريخ الكورية الشمالية المتجهة إلى الولايات المتحدة، أو أداء دور أوسع في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
أصرّ آبي منذ زمن على تغيير الدستور على أساس أن على اليابان أن تجعل من نفسها بلداً «طبيعياً» متحرراً من كوابح ما بعد الحرب والتي فُرضت نتيجة فظاعات ارتكبتها الجيوش اليابانية أثناء الحرب والهزيمة. ويقدم آبي الآن حجة جديدة لتوسيع الدور العسكري: فاليابان، ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، تحتاج أن تكون شريكاً كامل الشراكة مع أميركا في مواجهة بكين التي تزيد تحديها مطالب اليابان وغيرها من البلدان في بحر جنوب الصين وبحار شرق آسيا.
وتدعو واشنطن طوكيو منذ زمن إلى تحمّل مزيد من أعباء الأمن الإقليمي. وما يقف في طريق آبي هو المادة التاسعة من الدستور التي تنص على ان شعب اليابان «يتخلى إلى الأبد عن الحرب كحق سيادي للدولة والتهديد باستخدام القوة كوسيلة في تسوية النزاعات الدولية». ويتطلب أي تغيير (في المادة) مراجعة دستورية تفترض الحصول على موافقة الثلثين في مجلسي البرلمان، ويعقبها استفتاء. بدلاً من ذلك، التف آبي على هذه العملية عبر إعادة تفسير حكومته للدستور.
وليست تلك المرة الأولى التي يسلك فيها الزعماء اليابانيون هذا الدرب. إذ أعادت الحكومات السابقة تفسير الدستور للسماح بوجود جيش عامل وإتاحة المجال لإرسال بعثات في مهمات غير قتالية إلى الخارج. بيد أن الخطوة هذه ذهبت إلى مدى أبعد.
تثير احتمالات تبديل الدور العسكري الياباني جدلاً كما تنطوي على تبعات، حيث يعبر مواطنون يابانيون كثر عن مخاوف من الانجرار إلى التعقيدات الخارجية. وأظهرت استطلاعات للرأي أن نصف المشاركين عارضوا إعادة التفسير؛ وفي الأيام القليلة الماضية احتج آلاف اليابانيين أمام مقر رئيس الوزراء.
وعلى رغم أن عدداً من البلدان مثل الفيليبين، يساند الخطوة اليابانية، فإن الصين وكوريا الجنوبية اللتين عانتا معاناة عظيمة من العدوان الياباني، تشعران بالضيق من الطريقة التي قد تمارس اليابان فيها هذه السلطة الجديدة. ومع شراكتهما في تحمّل اللوم مع اليابان إزاء التوترات الحالية، يغذي آبي مخاوفهما وانعدام ثقتهما بالتذكير بالقوميين اليمينيين ودعواتهم الكريهة لإعادة تفسير التاريخ.
لأول وهلة، أعاد طرح المسألة غير اللازمة والمشحونة سياسياً لاستخدام الجيش الياباني نساء كوريات أَمَات جنس أثناء الحرب العالمية الثانية، على رغم أن تقريراً حديثاً لحكومته اعترف بالانتهاكات. مع ذلك، جاء رد الفعل الكوري الجنوبي غاضباً، وعلى البرلمان الياباني أن يظل واضحاً حيال العقبات القانونية أمام إعادة تفسير الدستور، والتي تتمثل في إعادة النظر في أكثر من 12 قانوناً ما يستغرق شهوراً. ويتمتع الائتلاف الحاكم بقيادة آبي بأكثرية مريحة في مجلسي البرلمان، ويتوقع أن تُمَرَّر المراجعات. وعلى رغم ذلك، ثمة وقت لدى المواطنين لإسماع أصواتهم إلى ممثليهم المنتخبين. ويحق لهم أن يطلبوا من آبي إثبات أن التعديل «لن يغيّر اليابان ويجعلها بلداً يشن حروباً».


* إفتتاحية، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 2/7/2014، إعداد حسام عيتاني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...