رسالة صحراء الجزائر : يوسف أيوب

رسالة صحراء الجزائر : يوسف أيوب

كل صحراوى تجلس معه تجد أن تاريخ بلاده مطبوع فى ذهنه بكل تفاصيله، كما أن نضالهم ضد المستعمر الإسبانى مسجل لديهم وكأنه شريط أخبار يرويه أمامك، وكذلك الحال فى وضعهم مع المغرب، لكن الميزة الأخرى التى يختص بها محمد عبد العزيز، رئيس الجمهورية الصحراوية، أنه مرتب الأفكار، ويستطيع أن يجذب انتباهك بتسلسل أفكاره وأحاديثه.



عبد العزيز بدأ حديثه بقوله، إن الصحراء الغربية كانت بلدا مستقلا ولم تكن عبر التاريخ جزءا من المغرب أو موريتانيا أو الجزائر، والآن عبر أربعين عاما من الصراع المرير فى هذه الظروف الصعبة والتضحيات الجسام التى قدمها هذا الشعب العربى الأصيل، كل المحاولات تمت من أجل إنهاء المشكلة، فشل التقسيم بين المغرب وموريتانيا، كما فشلت سياسة الإبادة، كما فشل المغرب فى الترويج لفكرة الحكم الذاتى داخل السيادة المغربية، وبقى شىء واحد لم يتم تجريبه إلى الآن هو إعطاء الكلمة بحرية للشعب الصحراوى للاختيار لكى يقرروا مصيرهم.


وأشار محمد عبدالعزيز إلى أن مبرر وجود جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادى الذهب هو الدفاع عن الشعب الصحراوى، لكن الجبهة ستحترم ما سيختاره الصحراويون إذا ما استفتوا على تقرير مصيرهم.

وحينما سألناه عن خيار الشعب الصحراوى الأخير لتحقيق استقلاله، رد عبدالعزيز بقوله «إن الخيارات كلها ما زالت مطروحة وقائمة، الجهود الدولية ما زالت متواصلة ونشهد الآن عنصرا جديدا يطرأ فى الجهود الدولية واهتمام القارة الإفريقية، فهناك نوع من الامتعاض الدولى من العراقيل المغربية التى تشهد صراعا مريرا مع مبعوث الأمم المتحدة كريستوفر روس، لكننا نرى أنه ما زال هناك آفاق وآمال، خاصة أن الموقف المغربى أصبح معزولا ومدانا وتحت المجهر لعرقلته الاستفتاء، لذلك فنحن نرى أن الباب لم يغلق نهائيا».

هل سيظل باب السياسة والمفاوضات مفتوحا إلى ما لا نهاية؟ سؤال رد عليه رئيس الجمهورية الصحراوية بقوله: «نحن فى فترة وقف إطلاق النار وهدنة مؤقتة، لكن الحرب لم تنته، كما أننا لم نلغ السلاح، ودائما وارد العودة للكفاح المسلح، فإذا لم يبق الاستفتاء فى الأفق فيبقى لنا شرعية مواصلة الكفاح والعودة للبندقية».


منذ أن وصلت إلى مخيمات اللاجئين وهناك سؤال ظل يؤرقنى وهو لماذا لا يقيم الصحراويون دولتهم على الجزء المحرر والبالغ %32 من الأراضى الصحراوية، وحينما سألته للرئيس الصحراوى قال: «لدينا جزء محرر معتبر من بلدنا، والآن هذا الجزء موجود فيه الجيش الصحراوى وجزء ليس كبيرا من شعبنا وخاصة من البدو الرحل، كما توجد مكاتب الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار، وهناك حركة يومية وكأنها عادية بين الأراضى المحررة ومخيمات اللاجئين، لكننا فى البوليساريو والحكومة الصحراوية لم نركز على فكرة نقل السكان للأراضى المحررة لأن نقل السكان يتطلب استثمارات كبيرة وخدمات، كما أن هناك احتمالا للعودة إلى الحرب مرة أخرى مما سيعرض الشعب الصحراوى للخطر».

وأشار محمد عبدالعزيز إلى أن القضية الصحراوية لم تكن مطروحة فى أى وقت فى إطار أيديولوجى سواء كان غربيا أو شرقيا، وإنما مطروحة على أنها مسألة تصفية استعمار وتقرير مصير، ولذلك لا نشعر أن هناك عداء معلنا ومبررا من طرف أى قوى عالمية حتى فرنسا المنحازة للمغرب لا تعلن عداء لمبررات القضية الصحراوية، بمعنى أنه لا توجد أى دولة فى العالم تعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء، كما أن الأمم المتحدة تعتبر المغرب قوة احتلال، والقضية الصحراوية هى واحدة من القضايا العالمية المطروحة على مجلس الأمن الدولى من منطلق سياسى، لذلك فإن القضية وصلت إلى قمة الاهتمام الدولى، كما أن وجود القوات الدولية «امينوسور» دليل على أن القضية سياسية وتصفية استعمار وليست قضية إنسانية.


السؤال التالى للرئيس كان افتراضيا، بمعنى ماذا سيفعل الصحراويون اذا ما غيرت الجزائر موقفها من القضية، فسارع محمد عبدالعزيز بالرد: «هذا السؤال ليس مطروحا لسببين، الأول أن الجزائر برهنت أنه فى أى ظرف فإن القضية الصحراوية بالنسبة لهم هى قضية مبدأ، وأنها ليست مصالح معينة أو أشخاصا، وإنما قضية تصفية استعمار وحق تقرير المصير».

السبب الثانى أن القضية الصحراوية الآن أصبحت دولية وأن الجزائر أصبحت فى قمة الارتياح تجاه موقفها من القضية الصحراوية، وما دامت الأوضاع كذلك فغير وارد أن تتغير الأوضاع، لأن الجزائر فى وضع مريح تجاه قضيتنا.

من جانبه قال عبدالقادر طالب عمر، الوزير الأول، ورئيس الحكومة الصحراوية: «نحن متمسكون بعروبتنا وإسلامنا وللأسف العرب أعطونا ظهورهم واحتضنتنا أفريقيا وقوى أخرى، ونحن محافظون على هويتنا الثقافية ولسنا مثل آخرين نصطنع هويات للتقرب من الآخرين.. نحن لم نكن جزءا من المغرب تاريخيا حتى يتم النظر إلينا على أننا ندعو للانفصال، والمغرب لا أثر له فى الصحراء فى أى شىء».


محمد الوالى ولد عكيك، وزير شؤون الأرض المحتلة والجاليات والريف الوطنى بالحكومة الصحراوية قال: «عشنا 40 سنة من الحرب وتدخلت ضدنا المصالح الدولية الكبرى وبسببها ما زال الصحراويون يعيشون المعاناة.. 23 سنة ننتظر الاستفتاء الذى كان من المفترض أن يتم خلال ستة أشهر عام 1990، ومنذ 21 مايو 2005 حينما اتضح أن المغرب تحاول التملص من الاستفتاء الذى وافقت عليه مسبقا، فقد أعلن الصحراويون مواصلة المقاومة بأساليب سلمية تحت مسمى الانتفاضة السلمية، وهم مسلحون بالعلم الوطنى والشعار وحق تقرير المصير من أجل استكمال تصفية الاستعمار فى الصحراء الغربية».

وأضاف ولد عكيك: «المواطنون الصحراويون يعانون من القمع والمحاكم العسكرية، والوضعية فى المدن المحتلة عسكريا تماماً وهم يمنعون أى متضامن من زيارة هذه الأراضى من حقوقيين وبرلمانيين دوليين حيث جرى طردهم من جانب القوات المغربية، كما أن لدينا حوالى 70 معتقلا سياسيا فى سجون المغرب، فضلا عن الثروات الصحراوية التى يتم تصديرها بدون أى سند قانون».

ووجه ولد عكيك لومه إلى العرب لأنهم تركوا الصحراويين يواجهون مصيرهم، وقال: «نعيب على العرب عدم حضورهم واهتمامهم وتدخلهم فى هذا الشأن رغم أن الأوربيين متداخلون، ونتمنى أن العرب أن يعودوا لنا»، مشيرا إلى أن الصراع الموجود هو صراع إرادات بين الصحراويين والمغرب.



<<ويبحثون عن الأزهر الشريف لتعليم أبنائهم الإسلام الوسطى..العدالة القائمة على الشرعية والعلاج المجانى فى مقدمة أمنياتهم.. والإعانات والمنح سبيلهم للحياة

التعليم قضية مهمة لدى الصحراويين، وهم لديهم رغبة فى التواصل مع الأزهر الشريف فى مصر لكى ينهل أبناؤهم من العلم الوسطى، محمد الشيخ القيادى بجبهة البوليساريو قال: «إن أول مثقف لدينا قرأ فى الأزهر ومؤسس الحركة الوطنية، البصيرى، من خريجى الأزهر»، ويستكمل حديثه عن التعليم المخيمات بقوله «خرجنا من ميدان الحرب بدون خريجين لكن اليوم لدينا كم كبير من خريجى الجامعات الجزائرية والكوبية وأخرى فى تخصصات متعددة، وأكثر من %60 من جيشنا شباب متعلم، كما أن الأغلبية الساحقة ممن خرجوا للتعليم يعودون مرة أخرى للصحراء، فهم مقتنعون بأن هذه قضية وشعب يجب أن يواصلوا معهم، ومنهم أطباء ومهندسون، حتى من قرر البقاء فى بلاد أخرى يزورون المخيمات كل عام لارتباطه بالعائلة ولإجراء بعض إصلاحات فى الخدمات الخاصة بالصحراويين».

نانا الرشيد، ناشطة صحراوية واثقة بأن من خرجوا من الصحراويين لتلقى التعليم فى الخارج سيعودون مرة أخرى، وقالت بلغة جازمة «سيعودون، ومعلوماتى أنه لا يوجد ولا صحراوى تزوج من أجنبية، لأن مجتمعنا بدوى وما زال لديه الاحتفاظ بالقيم».

«لا توجد فوارق اجتماعية ولا اقتصادية بين الصحراويين، ففى ولاية بجدور تجد خيمة الرئيس وسط خيم المواطنين دون حراسة»، ملحوظة قالها لنا والى العيون، حتى تحققنا منها بشكل عملى حينما زرنا ولاية بجدور ومررنا من أمام خيمة الرئيس ورأينا فيها أنها لا تختلف عن بقية خيام الولاية فى شىء.

العدالة القائمة على الشرعية
لا مجتمع ولا حضارة بدون عدالة، جملة يفهم الصحراويون معناها جيدا، ويؤكدها دوما حمادة سلمى الداف، وزير العدل بالجمهورية الصحراوية، الذى بدأ حديثه بقوله: «إن اللاجئين هم الأكثر تنظيما فى العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فى إطار الحكومة الصحراوية»، موضحا: «نحن فى ظروف استثنائية وفى موضوع العدالة لا ننطلق من فراغ لأن المجتمع كان موجودا ولدينا نظام قضائى قائم على الشرعية وما استحدثتاه كان وفقا لظروف القضاء، ووفقا للمنهج العصرى فى المسار الدعوى أمام القضاء المدنى والجزائى».
وشرح وزير العدل نظامهم القضائى بقوله: «نظامنا ليس اتهاميا مثل مصر، ونعتمد على نفس القواعد الإجرائية مع نوع من التحديث وفقا للمدرسة اللاتينية، فالنيابة هنا مهمتها توجيه الاتهام فقط، أما التحقيق فيقوم به قاض مستقل يشرف على التحقيق ويهيئ الملف قبل إحالته للقضاء، كما أن السجون تتبع وزارة العدل تبعية شاملة».

وعن الجريمة فى مخيمات اللاجئين الصحراويين قال حمادة سلمى الداف: «إن المجتمع الصحراوى ليس مجتمع جريمة، لأن سلطة المجتمع لها قيمة كبيرة، لذلك فإن مستوى الجريمة منخفض جدا، والجرائم الموجودة هنا تتمثل فى سرقات واعتداء بين الأشخاص، ومؤخرا بدأنا نلمس حالات استخدام مخدرات خاصة مخدر الحشيش»، مشيرا إلى أنه يوجد سجن واحد فى المخيمات به 38 سجينا فقط، من بينهم حالتان فقط للمخدرات، أما عن جرائم القتل فهى نادرة، فوفقا لما رصدته الوزارة فمنذ عام 1976 حتى الآن لم يتم تسجيل سوى جريمتين فقط للقتل، واحدة مع سبق الإصرار والترصد، والأخرى كانت قتل خطأ.

قبل أن ينتهى اللقاء مع وزير العدل الصحراوى كان لا بد من سؤاله عن الجريمة المنظمة فى الصحراء، خاصة أن عاملين فى المجال الإنسانى تعرضوا للاختطاف من قبل جماعة إرهابية، وحينما سألنا الوزير عن ذلك قال: «بالفعل حدث ذلك وهناك منظمة التوحيد والجهاد هى المسؤولة عن ذلك، ووجدنا أن بعض عناصرها من الصحراويين المقيمين بالمناطق الخاضعة للاحتلال المغربى، كما أن المتحدث باسم الجماعة درس فى المغرب ثم توجه لموريتانيا ومالى ويعيش فى المناطق المحتلة، ونحن نعتبر هذه المنظمة إرهابية من صنيعة المخابرات المغربية، وتستهدف المنظمات الإنسانية العاملة فى المخيمات، فقد قامت باختطاف ثلاثة من رعايا منظمة إنسانية عاملة فى الصحراء بهدف ربط الصحراويين بالإرهاب، ونحن لدينا معلومات كاملة عن المنظمة وأسمائهم لكن لم نلق القبض عليهم حتى الآن».
علاج مجانى وأوبئة غائبة

الوضع الصحى فى الصحراء يعانى من مشكلات متراكمة رغم ما تحاول أن تبذله الحكومة الصحراوية من خلال المساعدات الأجنبية، ولدى الحكومة مرتكزات متعلقة بالسياسة الصحية تقوم على الوقاية والتلقيح وفقا لما أكده الدكتور فضلى هنية، مدير المستشفى الوطنى بالصحراء، الذى أشار إلى أن الأدوية والفحوصات الطبية مجانية، وهذا مبدأ مقرر فى الدستور الصحراوى بأن كل الخدمات الطبية مجانية، مؤكدا أنه لا توجد أوبئة فى الصحراء منذ عام 1978، وهناك متعاونون أجانب يشرفون على برنامج التلقيح.

المستشفى يعمل به بها 18 طبيبا، ومن بينهم بعثة كوبية موجودة باستمرار، ووفقا لإحصائية خاصة بالمستشفى فقد استقبل 17559 حالة فى عام 2013، وقال الدكتور فضلى هنية، إن أكثر العمليات الجراحية تجرى فى العيون وتحديدا المياه البيضاء بسبب التلوث أو ارتفاع ضغط العين، وعمليات اللوزتين.

محمد الأمين دادى، وزير الصحة العمومية بالصحراء قال: «إن الشعب الصحراوى يعيش منذ سنوات يعانى من الظلم، لكن لدينا إرادة قوية ونكافح من أجل حق تقرير المصير، ونبنى المؤسسات ونواجه ظروفا صعبة تحيط بنا».

ويشير وزير الصحة إلى أن هناك بعثات أجنبية تأتى للمخيمات من الجزائر وإسبانيا ودول أوربية للتخفيف من معاناة الصحراويين، مشيرا إلى أنه تم انتخاب الجمهورية العربية الصحراوية كنائب ثان لمؤتمر وزراء الصحة الأفارقة فى أديس أبابا عام 2012.
الإعانات والمنح سبيل للحياة

كيف يعيش هؤلاء وثرواتهم فى أراضٍ تركوها لصراع مسلح ومفاوضات تتبناها الأمم المتحدة، الإجابة كانت لدى بوحبينى يحيى البوحبينى، رئيس الهلال الأحمر الصحراوى، الذى قال إن الدعم من لجان الصداقة من الجانب الأوروبى أو ما تخصصه الأمم المتحدة والبرنامج العالمى للاجئين، مشيرا إلى أن الدعم أو المنح تتجه لمصادر إنفاق متعددة منها تحليه مياه الشرب خاصة أن المياه فى هذه المنطقة مالحة، فتم إنشاء محطات لتحلية المياه.

البوحبينى أضاف: «هذه أطول فترة لجوء فى العالم بعد اللاجئين الفلسطينيين، فاللاجئون الصحراويون موجودون فى المخيمات على الأراضى الجزائرية لأكثر من 39 عاما من الهجرة السياسية نتيجة موقف سياسى معين، والأمم المتحدة تقوم كل عامين بمسح شامل للمخيمات من خلال وكالاتها مثل اليونيسيف ومفوضية اللاجئين، وهذه التقييمات التى كان آخرها نوفمبر 2013 أكدت على هشاشة الوضع الإنسانى، واعتماد اللاجئين الصحراويين بشكل عام على المساعدات الإنسانية الدولية، وهناك نسبة مرتفعة لسوء التغذية من الأطفال فحوالى %30 من الأطفال دون الخامسة مصابون بسوء التغذية المزمنة، وأكثر من %60 مصابون بفقر دم».

وأشار رئيس الهلال الأحمر الصحراوى إلى أن التوصيات الأولية تؤكد وجود خطر كبير بسبب تقلص مساهمات الدول المانحة لاهتمامها بمناطق النزاعات الأخرى، فضلا على الأزمة المالية العالمية.

ومنذ أن تطأ قدمك مخيمات اللاجئين ترى الرجال باللبس التقليدى هو الدراعة، وهى لبس أفريقى بالدرجة الأولى مثل اللبس الموريتانى للمرأة والرجل تستورد من الهند والإمارات.
بقى شىء مهم فقبل أن نغادر مطار تندوف عائدين إلى الجزائر العاصمة، كان المطار يعج بمئات الأطفال الصحراويين الذين يستعدون للذهاب إلى إسبانيا لقضاء عطلة الصيف هناك فى إطار برامج التدريب الموقع بين الحكومة الصحراوية ومنظمات إسبانية لتعليم الأطفال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...