مقال رائع من الاهرام حول الجمهورية الصحراوية

بالصور.. "الأهرام العربى" فى جمهورية وادى الذهب المنسية.. محمد عبد العزيز أمين عام جبهة الصحراء: الكفاح المسلح وارد
23-7-2014 | 17:44

محرر الأهرام العربي في الصحراء الغربية
تندوف - جنوب الجزائر - محمد أمين المصرى
فى قلب صحراء «تندوف» بأقصي الجنوب الجزائري، حيث الهدية التي منحتها دولة الجزائر لشعب أعزل يعيش ظروفا مأساوية، حيث لا يحده سوي الصحراء برمالها وكثبانها وحرارتها الشديدة.. التقي وفد إعلامي مصري في مقابلة هى الأولي من نوعها محمد عبد العزيز، أمين عام جبهة البوليساريو رئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية .

اللقاء جرى فى أجواء ترحيبية وسط دفء الاستقبال، لكنه لم يخل من مرارات وعتاب ورسائل لمصر والدول العربية، وإن كانت مصر هى عنوان الرسالة الأولي والأهم بطبيعة الحال، وسط عتاب على القيادة المصرية، باعتبارها لم تقف بجانب شعب الصحراء طوال محنته، خصوصاً أن مشكلته بدأت بعد رحيل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، محرر الشعوب ومفجر الثورات فى القارة الإفريقية والعالم. ولكن هذا الحدث لم يمنع شعب الصحراء وشبابها الثائر من تفجير ثورتهم ضد المستعمر الإسباني، وكاد هؤلاء يحققون آمال شعبهم الذي حباه الله بنعم وخيرات تنتشر على مدي مساحة أرضهم الممتدة عبر ساحلهم الفيروزي الذي يطل على المحيط الأطلنطي، عبر نحو 1500 كلم.. لولا تدخل قوي أخرى لتستغل حالة الفراغ ولتسكن أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب وهي الاسم الحقيقي للجمهورية الصحراوية.

حديث الرئيس الصحراوي لم يكن ذا شجون، فمرحلة العواطف ولت منذ زمن ولم يبق أمام هذا الشعب سوي النضال لتحرير الأرض من جار عربي عضو في جامعة الدول العربية، ويرأس لجنة القدس ويؤمه ملوك ورؤساء دول عربية على مدار العام، فكيف إذن ينجح الصحراويون في إبلاغ رسالتهم للإعلام العربي الغائب عنهم وعن قضيتهم، حتي إن شكواهم تصل إلى حد القول إن بعض وزراء خارجية الدول العربية لا يعلمون شيئا عن جبهة البوليساريو وشعب الصحراء ومحنتهم وحياتهم كلاجئين في الصحراء، وأن الجار العربي يمنعهم من لم الشمل أو الرضوخ للقرارات الدولية التي دعت إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير لحسم قضيتهم، باعتبارها آخر قضايا الاستعمار في العالم وتناقشها اللجنة المعنية في الأمم المتحدة كل عام وتخرج بتوصيات وقرارات، ولكن تذهب جميعها أدراج الرياح.

أراد الرئيس الصحراوي محمد عبد العزيز، أن يكون اللقاء دافئا، فقرر أن يذهب بنفسه إلى الوفد الإعلامي في مقر إقامته، ولعله أدرك بحكم خبرته بالصحراء أن الإرهاق والتعب نالا منهم بسبب الجدول المتخم باللقاءات الرسمية والشعبية الذي أعدته الشاعرة الصحراوية النانة الرشيد، منسقة المهمة والتي كانت خير سفير لبلادها.

رسائل محمد عبد العزيز، تعددت، خصوصاً الموجهة إلي مصر بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للجزائر، لتكون أول محطة عربية له عشية توجهه للمشاركة في قمة الاتحاد الإفريقي، ورفعت تلك الزيارة معنويات الصحراويين ليشعروا معها أن تنامي العلاقات المصرية – الجزائرية سيصب بلا شك في مصلحة الشعب الصحراوي. وهنا كانت أولي رسائل عبد العزيز لمصر، حيث أعرب عن سعادته بعودة مصر لممارسة دورها الطبيعي داخل الأسرة الإفريقية، ووجه التهنئة عبر الوفد الإعلامي إلى الشعب المصري على إنجاز الاستحقاق الثاني بانتخاب الرئيس، وقال:” أتمني كل الخير لمصر والشعب المصري، ولا يمكن أن ننسى الدور التاريخى الذى لعبته مصر فى حركات التحرر على مستوى العالم والعالم العربى على وجه الخصوص “..“الدور المصري لابد منه للمساعدة في حل القضية الصحراوية، وأنه لا يمكن الاستغناء عنه”.. هكذا شدد أمين عام البوليساريو، لينتقل مباشرة من الضروريات إلى العتاب، خصوصاً عندما أشار إلى أن الصحراويين واجهوا صعوبات في الماضي للحصول على تأشيرات دخول لمصر. ولكنه سرعان ما يتخلي عن العتب ليعيش الواقع، ليؤكد لنا أن الظروف تغيرت في مصر بعد 25 يناير و30 يونيو، ويقول:” إننا متفائلون بالرئيس عبد الفتاح السيسي وأن الأمور ستسير نحو الأفضل”.

ربط عبد العزيز تفاؤله بتطلعه بأن يسهم الوضع الجديد فى مصر فى استعادة الشعب الصحراوى لحقوقه المشروعة قائلا “إننا كشعب الصحراء ليسنا أنانيين، ولا نريد شيئا على حساب المغرب ونحمل كل التقدير للمغرب كجار، ونتمنى أن تلعب مصر دورا من خلال علاقاتها مع الطرف الآخر فى تحقيق آمال الشعب الصحراوى ..كما أننا نتطلع إلى اليوم الذى تكون لنا فيه سفارة بالقاهرة، وأن تتاح الفرصة لطلابنا للدراسة فى الجامعات المصرية “. الأمنيات لم تتوقف علي حد تعليم الطلاب الصحراويين، فثمة رغبة أكثر أهمية، وأضاف: لنا حق في مصر، هذه الدولة العربية الكبيرة التي وقفت مع كل الشعوب العربية والإفريقية والعالمية”.

لم يترك محمد عبد العزيز، لقاءه مع الصحفيين إلا ليؤكد تقديره لإعلاميي وأدباء ومثقفى مصر نظرا لدورهم التنويرى فى العالم العربى، ولما يتمتعون به من مصداقية في نقل الواقع المرير الذي يعيشه شعب الصحراء على الأرض إلى بقية البلدان العربية، والمساهمة في حشد الشعوب العربية إلى دعم قضية هذا الشعب الذي يعاني ظروفا قاهرة لا يستطيع أن يتحملها، حيث الصحراء قاحلة مع قلة الموارد والتي تتوقف فقط على المساعدات الدولية.. وهنا خرجت الكلمات تنساب من فمه ممزوجة بلوعة المرارة ونظرة تفاؤل معا:”نتمني من الإعلام المصري ومعه منظمات المجتمع المدني والأحزاب دعم قضيتنا، والأهم الدعوة إلى تنشيط العلاقات”. لقد كان صوت الرئيس الصحراوي يخفت كلما جاء ذكر العلاقات، فالتطورات الجديدة لم تستطع أن تنسيه وشعبه مرارة تجاهل مصر لقضيتهم العادلة التي يعترف بها نحو 75 دولة على مستوي العالم وتخضع لنقاشات ومؤتمرات من الأمم المتحدة، وتنتظر حلا بتقرير المصير، في حين غابت عنهم مصر!!

وبعد الرسائل الموجهة إلي مصر، انتقل الحديث إلى شرح إبعاد وتطورات القضية الصحراوية، وقال محمد عبد العزيز: “القضية بالنسبة للقانون الدولى واضحة وأنها قضية تقرير مصير، فالصحراء الغربية لم تكن يوما جزءا من المغرب أو موريتانيا”. وأشار إلى البعد التاريخي للقضية وتهرب بعض البلدان من الالتزام بما قررته الأمم المتحدة، بما أطال من أمد القضية التي ستحسم باستفتاء تقرير المصير باعتباره الخيار الوحيد للشعب الصحراوي، والذي وافقنا بسببه على وقف القتال انتظارا لإجرائه في مدة 8 أشهر، ولكنه لم يتم حتي يومنا هذا بسبب مراوغات المغرب التي أدركت أن نتيجة الاستفتاء لن تكون لمصلحة الحكم الذاتي، وهو الخيار المغربي الوحيد في التعامل مع القضية. كما أشار إلى أن القضية تراوح مكانها بسبب تعنت المواقف المغربية والتى ترفض الانصياع للإرادة الدولية في الوصول إلى حل ينهي الأزمة ويسهم فى رفع المعاناة عن الشعب الصحراوي..وفى ظل وقف إطلاق النار، قال الرئيس الصحراوي إن شعبه نفد صبره منذ عام 2005، مما أجبره على تدشين انتفاضة الاستقلال السلمية في الأراضي المحتلة والتي تتشابه مع انتفاضات الفلسطينيين في الثمانينيات والتسعينيات، ولكن بدون حجارة، وفيها يكتفي المواطنون برفع العلم الصحراوي واسم جبهة البوليساريو والمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وتفكيك الحزام العسكري الذي يفصل تلك المناطق. وأبدي عبد العزيز استياءه من الطريقة التي تواجه بها السلطات المغربية انتفاضة الشعب الصحراوي في مناطقه المحتلة، حيث تستخدم العنف والقمع كوسيلة وحيدة لقهر المواطنين. وأشار في هذا السياق إلى ما حدث في “ ملحمة إفديم إزيك” في نوفمبر من العام 2010، عندما خرج نحو 30 ألفا من المواطنين الصحراويين في مدينة العيون للاحتجاج على تدني أوضاعهم ومطالبة المجتمع الدولي والصحافة العالمية بزيارتهم للتعرف على أحوالهم وواقعهم المرير، وهو الأمر الذي لم تتحمله حكومة المغرب برغم سلمية المظاهرات وواجهتها بالقصف المدفعي مما ترتب عليه حمامات من الدم وحملة اعتقالات شملت العديد من الشبان الذين ما زال عدد منهم في السجون محكوما عليه بالسجن بفترات متعددة تصل إلى السجن المؤبد، على حد وصفه..“الجهود الدولية لا تزال متواصلة، وشهدنا في الفترة الأخيرة عنصرا جديدا ويتعلق بتقرير الأمين العام الذي قدمه لمجلس الأمن وطالب فيه بضرورة التحرك للدفاع عن حقوق الإنسان في منطقة الصحراء”.. هذا المعطي الجديد أشار إليه الرئيس الصحراوي في معرض حديثه مع الوفد الإعلامي، ليضيف أن الأمين العام طالب المغرب أيضا بالتوقف عن نهب الثروات الصحراوية. وأشار عبد العزيز إلى دعوة التقرير إلى أن يكون إبريل 2015، الموعد الأخير للتوصل إلى تحريك القضية مرة أخري، وما لم يحدث ذلك يجب البحث عن اقتراحات أخرى. خصوصاً أن المجموعة الدولية قد سئمت الانتظار الناتج عن عرقلة المغرب لكل الجهود المبذولة للتوصل إلي تسوية نهائية للقضية، وفي ظل تنامي اهتمام الاتحاد الإفريقي بقضية ومعاناة الشعب الصحراوي، حيث قرر من جانبه تكثيف الجهود مع الأمم المتحدة لتحقيق تقرير مصير الشعب الصحراوي..وهذا حسب رأيه ما يمنح قضيتهم زخما متواصلا، فهي مطروحة أمام مجلس الأمن الدولي من منطلق سياسي، وهذا برهان على أنها تنال قمة الاهتمام العالمي كقضية تصفية الاستعمار والتي تناقشها كل عام اللجنة المعنية داخل منظمة الأمم المتحدة.

وبرغم كل هذه المعاناة الحياتية لشعب الصحراء سواء في الأراضي المحتلة أم المحررة أم مناطق مخيمات اللاجئين، لم يتخل محمد عبد العزيز، عن تفاؤله المبرر بالقوة: "الباب لم يغلق نهائيا ونحن متفائلون برغم أننا لم نلق خيار السلاح، وأنه من الوارد جدا العودة للكفاح المسلح، لأن هذا خيار شرعي للشعب الصحراوي في ظل استمرار المغرب فى تعنته وعدم التجاوب مع المساعي الدولية والإفريقية".

وحول دور الجزائر قال الرئيس محمد عبد العزيز، الجزائر برهنت فى تعاملها مع قضيتنا فى كل الظروف على أنها قضية مبدئية، وليس مجرد دعم مؤقت يرتبط بشخص أو مصالح معينة، لأن الجزائر تساند القضية وفقا لما يتعامل به المجتمع الدولي على أنها قضية تقرير مصير". وكان من الطبيعي أن يشيد كل أعضاء الوفد بالموقف الجزائري، بعد كل ما رأيناه كشاهدي عيان على الدعم الجزائري اللا محدود للاجئين الصحراويين الذين يعيشون في بلدهم الثاني، ولكنهم لم يتخلوا عن قضيتهم الوطنية وتحرير أرضهم.. وهنا يذكرنا الرئيس محمد عبد العزيز، بأن الانتفاضة السلمية فى أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب وكل ولايات الجمهورية الصحراوية، لا تزال مستمرة، ويخرج المواطنون للتعبير عن استيائهم من أوضاعهم اللا إنسانية كل يوم، على حد قوله. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...