وكالة الانباء الجزائرية تحاور مقاتل صحراوي....

امحمد لبات الباردي: مسيرة مقاتل صحراوي حياته هي جزء من تاريخ شعب يناضل من أجل الحرية

         السمارة (مخيمات اللاجئين الصحراويين)- امحمد لبات الباردي, هو أيقونة المقاتل الصحراوي الأبي, التواق للحرية و الإستقلال, وواحد من آلاف الرجال الصحراويين المفعمين بحرارة النضال من أجل وطن مغتصب إسمه الصحراء الغربية, وطن يرفض أن يباع في سوق المال و الأعمال الدولية.
"سي أمحمد" كما يناديه الأهل و الرفقاء, صاحب ال65 ربيعا, من قدماء مقاتلي جبهة "البوليساريو" و لا يزال, يعايش كل مراحل النضال منذ الإستعمار الإسباني إلى هذا اليوم, مرورا بحرب 1975 ضد المحتل المغربي و قرار وقف إطلاق النار سنة 1991 وبداية المسار الأممي للسلام الذي "لم يحقق للصحراويين إلا المزيد من سنوات الإحتلال", يقول الرجل لوأج عائدا إلى ذكريات تشكل جزءا من تاريخ الشعب الصحراوي.
ككل صباح, يشغل "سي امحمد"  باكرا, مذياعه المضبوط على الإذاعة الصحراوية ليستمع إلى آخر المستجدات حول قضيته التي ولد و يعيش لأجلها, وأخبار اليوم حول الذكرى ال41 لتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية, ذكرى تعود به إلى حرب ضروس كان فيها جنديا لأجل الوطن.
و بنبرة فيها مزيج من الصرامة و الشدة و الأمل يردد الباردي مقاطعا من النشيد الوطني الصحراوي عائدا بذكرياته إلى أول مرة عزف فيها النشيد في كنف الدولة الصحراوية ببئر لحلو في 27 فبراير 1976 , فيردد قائلا و كأنه يخاطب شعبا بأكمله "صحراؤنا هي الوطن, في سرنا وفي العلن, يحيى الكفاح والوطن, ويحيى  شعبنا المجيد, فنحن للشعب جنود, نفنى قياما وقعود, حتى نحطم القيود, ومن يمت منا شهيد".
"سي امحمد" مقاتل و سياسي بالفطرة, ذلك لأنه صاحب قضية عادلة "تحتمل الحل السياسي كما تحتمل الحل العسكري على حد سواء" , و مع أنه من أنصار  المثل الصحراوي التحرري الشهير "بالبندقية ننال الحرية", إلا أنه يدرك أيضا أن السياسة و الدبلوماسية عاملان غير قابلين للإهمال في قضيته وهذا ما يجعله على إطلاع مستمر بالتطورات الحاصلة في الملف الصحراوي على كل الأصعدة.

"الصحراء ما تنباع" (الصحراء الغربية لا تباع)

وبلهجة حسانية بسيطة, يحاول الباردي أن يختار أحسن ما رسخ في الذاكرة الجماعية لشعب الصحراء الغربية من أقوال رددها فنانون, فيرخم صوته مغنيا "الصحراء ما تنباع يا وخيي ماتنباع" (الصحراء لا تباع يا أخي) ويضيف "بشوية من الصبر, الإستقلال ينجبر, ينجبر" (بقليل من الصبر نتحصل على الإستقلال), ثم يقول معقبا "صبرنا كثيرا, أكثر مما يجب...".
ويسترسل الباردي موضحا أن "الثورة الصحراوية ضد المحتل المغربي لم تكن حربا جوفاء, بل كانت ثورة واعية فيها من الفكر و الثقافة و الوعي", مشيرا إلى أن أغنية "الصحراء ما تنباع سمعناها لأول مرة بالتزامن مع اندلاع الحرب ضد المحتل المغربي سنة 1975 من خلال صوت الفنانة أم أرقية عبد الله, فكانت نغماتها ترافقنا و تبعث فينا الحماسة و حب التضحية", مؤكدا على أن هذه الأغنية كانت و لا تزال "قطعة أساسية من الارث الثقافى و النضالي الصحراوي".
وبكثير من الحزم يروى المواطن الصحراوي عن مسارات نضاله التي تختزل في محطاتها تاريخ شعب بأكمله بداية من "المسيرة المغربية +السوداء+ التي لم تكن سلمية في شئ (...) عايش فيها أهلنا ظلم المستعمر و غطرسته" هي "مسيرة العار التي لا يمكن أن يفتخر بها إلا المهووسون بالظلم و الإستبداد".
إن "الإستعمار لا يختلف مهما كانت لغته أو جنسه, إنه جسم واحد يرفض الآخر ويسعى إلى قتله" يقول الرجل, ثم يضيف "نحن إخترنا مواجهة كل المستعمرين ممن مروا بأرضنا و كلنا إستعداد لمواصلة النضال حتى آخر طفل فينا".

شهادات من تاريخ النضال الصحراوي

يعود الباردي بذكرياته إلى ظروف تأسيس الدولة الصحراوية, فترتبط هذه الذكريات مباشرة بسنوات حرب, فيروى قائلا أنه "منذ السنوات الاولى لحرب التحرير أبان مقاتلونا تفوقا ميدانيا تجسد في العديد من الإنتصارات" من خلال معركة "أمغالا" في فبراير1976 والتي تم فيها القضاء على لواء مغربي بالكامل, و كذلك معركة أسا (مارس 1979) التي منيت فيها قوات المحتل بهزائم نكراء, و معركة لبيرات (أغسطس 1979) التي وصفتها الصحافة الدولية آنذاك بمعركة "ديان بيان فو الصحراوية" لأنها كانت مجزرة حقيقية للآليات الحربية المغربية.
ويستشهد السيد امحمد بمعركة "المسيد" (شمال مدينة بوجدورالمحتلة) و التي شهدها وشارك فيها, حيث فرض وزملاؤه "حصارا مطبقا على الجنود المغاربة دام شهرا كاملا" تمكن الصحراويون خلاله "من قطع كل المؤن و الإمدادات البرية على الجنود المغاربة الذين لجؤوا إلى المروحيات العسكرية لفك الحصار و نقل جنودهم في حالة جد مزرية".
وبمزيد من التفصيل يصف المشهد قائلا "الجنود المغاربة كانوا أشبه بالتائهين في الصحراء, كانوا لا يعرفون لأرضنا مسلكا و لا شعابا و لا منافذ (...) لأنهم كانوا غرباء عنها فهي ليست أرضهم و لا يمكن للدخيل بأي حال من الأحوال أي يعرف الأرض أكثر من أصحابها", مستدلا بالمثل العربي القائل "أهل مكة أدرى بشعابها", على عكس المقاتلين الصحراويين اللذين كان الواحد منهم قادرا على أن يجوب الصحراء طولا و عرضا دونما خوف أو وجل.
وعلى أكثر من محور, "كانت الجبهة (البوليساريو) متغلبة على جيش الإحتلال وتمكنت من دحره, حتى أننا أجبرناهم على التراجع إلى غاية مدينة طانطان جنوب المغرب و دخلنا بأسلحتنا إلى الأراضي المغربية كي نضمن تراجعهم" وهو ما يثبته عدد الأسرى اللذين تمكنا منهم و العتاد الذي تحصلنا عليه بعد إنسحاب الجيش المغربي.
وطيلة مراحل الحرب, "أبدى جنود البوليساريو  بسالة في القتال لم ينتظرها الجنود المغاربة اللذين كانت معنوياتهم متدهورة, لأنهم كانوا يدركون أن المخزن يزج بهم في حرب لا تعنيهم" و هو ما أكده الكثير من الأسرى الذين أبدوا تعاطفا مع القضية الصحراوية و لكن "بعد فوات الأوان" يقول محدثنا.

"حرارة الحرية تنتقل بيننا جيلا بعد جيل"

على الرغم من الإنتصارات المتتالية و على عدة جبهات, إلا أن الجبهة (البوليساريو) وقعت على إتفاق وقف إطلاق النار الذي تبنته الأمم المتحدة لتثبت للعالم عدالة قضيتها, يقول المواطن الصحراوي, معتبرا أن الإتفاق "كان لصالح المغرب الذي تكبد الهزائم النكراء على يد مقاتلينا الأشاوس (...) فقد تجنب الجيش المغربي بفضل هذا الإتفاق إنهيارا تاما لوحداته داخل الأراضي الصحراوية".
وبعد أكثر من ربع قرن على وقف إطلاق النار, "لم تحقق هيئة الأمم المتحدة أي تقدم ملحوظ في قضيتنا رغم من الالتزام الكامل لقيادتنا بمسار التسوية السلمية للنزاع ووقوفنا خلفها كشعب واع و مسؤول أمام العالم", يؤكد السيد أمحمد ويضيف أن "الوضع الراهن يضعنا أمام خيار الحرب مرة أخرى, وهو الخيار الذي لن نرفضه إذا فرض علينا من العدو, بل نحن مستعدون له أيما استعداد مادامت ارضنا تحت الإحتلال".
" نحن مستعدون لأي مستجد لأن حياتنا بأكملها هي حياة نضال مستمر لا ينتهى إلا بالتخلص من الإستعمار" يؤكد السيد الباردي مشددا على أنه كان ولا يزال مقاتلا في صفوف جبهة البوليساريو, لأنه جبل على النضال منذ نعومة أظافره و لا يرى نفسه إلا مقاتلا في سبيل قضية عادلة يؤمن بها حتى النخاع.
وبنفس الإصرار و العزيمة يتحلى الشباب الصحراوي اليوم, حيث أن "جيل اليوم من الصحراويين يدرك تمام الإدراك أنه ضحية محتل إسمه المغرب, اغتصب أرضه و شرد شعبه و تنكر للتاريخ (...) نحن قاتلنا بشراسة رغم أنه لم تكن لدينا خبرة كافية, أما شباب اليوم من الصحراويين فهم مدربون و جاهزون كل الجاهزية لأي حرب في حال فشل المسار السياسي", يقول المحارب الصحراوي
.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...