الخيمة لكبيرة : الكينونة والوجود المتميز

محمد حسنة الطالب
بقلم: محمد حسنة الطالب.

 كان الصحراويون في نظر الإستعمار قبل سنة 1976 أشبه ما يكونون بقطعان من الماشية ، تغدوا وتروح وتتهافت على إصطيادها وحوش الطمع والتوسع ، دون أدنى إعتبار لحقهم في الوجود ككيان منفرد له الحق في تدبير شؤونه والتصرف في ممتلكاته ، ومع مرور الزمن أستدرك الصحراويون ذلك ، وإنتفضواعن بكرة أبيهم “يززون” شعر الماشية هذا ووبرها الذي طالما عيروا به ، تدفعهم الأصالة في تجميعه وإستثماره في إنشاء خيمتهم المتميزة ، فكانت “أتويزة” في الثاني عشر من أكتوبر 1975 وبدأ نسيج تلك الخيمة الكبيرة المنشودة “بغزيل” من التضحيات الجسام والنضال المستميت ، وبدأت حياكتها بخيوط من الدم والعرق “وجبرت”على حبل المآسي والمعانات ونكبات الدهر التي ألمت بهذا الشعب في غفلة من زمن ساده الجهل وكثرت فيه الإغراءات وأنتهج فيه الأعداء سياسة التشرذم المقصودة إزاء أبناء الإمة الصحراوية في بيئتها التاريخية ، فكان هذا “الجبر” بحق عبرة لمن يعتبر ، وحصنا منيعا يذكر ويقي دائما وأبدا من العودة الى عهد الظلام والإضمحلال . 
فى ال 26 من فبراير من سنة 1976 كانت كل مستلزمات هذه الخيمة قد توفرت بإرادة لاتلين وعزيمة فذة ، إستطاعت أن تجمع كل الصحراويين من كل حدب وصوب للمشاركة في بنائها ، فكان أن أرست أوتادها في العمق الإفريقي وفي أمريكا اللاتينية  وفي العديد من مناطق التحرر من مختلف أنحاء العالم ، وتداول العالم خبر تشييدها رغم التعتيم والمغالطات ، وكان يزيد من بهائها وشموخها وذياع صيتها ، في تلك المرحلة المشهودة ، لعلعة الرصاص ووحدة الرؤية والتصور فثبتت ركائزها وأعمدتها في ميدان الصمود ، تعززها المبادئ السامية والقيم النضالية العالية ، وكانت دون ريبة حلم كل الصحراويين الذين أحسوا بدفئه الباهر وظله الوافر ، بل وأفترشوا حصيره سويا دون غبن أو تمييز أو إقصاء .
 لقد أعلنت الدولة الصحراوية في المنفى وكانت قاب قوسين أو أدنى من التجسيد على أرض الآباء والأجداد بفعل تلك العزيمة الصلبة والمسيرة النضالية المظفرة ، لولا لعبة السياسة التي أسكتت المدافع وفتحت فضاء لا حدود له من المد والجزر، لكن والحالة هذه ، يجب أن لا نندم على ذلك الموقف كما لا يجب أن نأخذه كمسألة للتحجج والمزايدات في الوقت الراهن ، ورب ضارة نافعة كان ذلك الموقف أو القرار، فلو إستمرت الحرب ونحن في ذلك الوضع مهما كانت محاسنه أومساؤه ، فبدون شك هناك نتيجة واحدة يمكن أن نخلص إليها ، وهي أنه من الصعب لدولتنا إرساء ركائزها وأعمدتها كاملة والقيام بوظائفها على أكمل وجه ، نتيجة لما قد تحصده الحرب من أرواح ولأتونها الذي لم يسمح بتدفق المزيد من الصحراويين من مختلف المشارب ، كل هذا علاوة على الوضع الإجتماعي الذي كان يحتاج الى تنظيم مدروس وضبط محكم ، في غياب الأطر المؤهلة بكل المقاييس وإنعدام الكفاءات المتمرسة والمطلوبة لتسيير شؤون هذا الشعب  في مختلف المجالات .
اليوم وبعد سنوات من حالة اللاحرب واللاسلم مازالت هذه الخيمة شامخة تطاول عنان السماء بصبر وجلد أهلها على متغيرات الزمن ، تعززهم الأصالة والعراقة في حب التميز، والصمود والإستمرارية على طريق الحرية والإستقلال ، لاسيما وأن ذلك الزمن الجميل الرائع من ماضي هذا الصراع مع العدو ورغم مآسي الحرب ومتطلبات الواقع ، ظل وبات يشكل  ذخرا حقيقيا ومعونا لاينضب عبر مسيرة التحرير والبناء التي تكللت ببناء المؤسسات الصحراوية المختلفة وبنمو ديمغرافي هائل وملحوظ  من خلال سياسة التكاثر الإجتماعي التي أعطت أكلها ، ناهيك عن قدوم العديد من الصحراويين  من مختلف الأرجاء للعيش في كنف هذه الخيمة الشماء ، وينضاف الى ذلك كله تلك السياسة والدبلوماسية الحكيمة التي  كانت ناجحة بإمتياز الى وقت قريب  رغم زوابع التراجع والخذلان ، ومناورات العدو ومحاولاته الرامية الى صرف الأنظار عن الهدف الذي قامت من أجله الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب ، ونصبت من أجله خيمة الوجود المتمثلة في الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ، وأمانة للتاريخ ولحرصنا على تقييم إنجازاتنا وأدوارنا ، فإننا نجد في الوقت الحالي أن هذه الأخيرة “أدوارنا” طالها التقصير والإهمال بعد أن تغلبت المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ، وذاك ما قد يتلف ما بنيناه من أمجاد خلال عقود من الزمن ، لا بل وقد وينسف ما قد حققناه من مكاسب ومكتسبات على طريق الكينونة والوجود المتميز . لقد آن للصحراويين قيادة وشعبا أن يجددوا عهدهم وحبهم لصرحهم العظيم ، ولكن ليس بالنفاق والتخاذل ، وإنما بالإخلاص ونكران الذات ، ولنستقل جميعا فرصة عيد الأضحى كمناسبة دينية للتأمل والإستدراك ، والتسامح من أجل المصير في الدنيا والآخرة ، وذاك ما يفترض بنا كمجتمع مسلم مظلوم يتوق الى تحقيق مبتغاه في إطار الشرعية التي تقرها الأديان والقوانين والمواثيق الدولية ، وليصدق فينا قوله تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، صدق الله العظيم  .  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...