الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب : سبيل الغرب للتدخل في شؤون الغير !

Imaxe relacionada
بقلم محمد حسنة الطالب

تعد الديمقراطية ومراعاة حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب مساع حميدة ومفيدة لإستقرار الدول ونمائها وضمان العدل و المساواة بين مواطنيها ، غير أن هذه المفاهيم في نظر الغرب اصبحت تناقض تجليات الواقع اليوم في العديد من دول العالم الثالث التي استهدفت لحاجة في نفس يعقوب ، فماهو السبب في ذلك ؟ 
قبل الإجابة دعونا نلقي نظرة على مصدر القيم والمبادئ التي اوجدت مثل هذه المفاهيم .
لاشك أن الفترة المؤثرة من الاضطرابات الاجتماعية ، السياسية والإقتصادية التي سادت في فرنسا قبل العام 1789 ، كان لها عظيم الأثر في قيام الثورة الفرنسية ، التي إمتدت من العام 1789 حتى العام 1799 بغية فرض قدر من الاصلاحات آنذاك في العديد من مجالات الحياة ، وهو الشئ الذي جعل تأثيراتها عميقة في أوروبا والعالم الغربي عموما ، حيث أتت الثورة الفرنسية بأفكار ليبرالية وراديكالية ، غيرت بشكل ملفت مسار التاريخ الحديث ، فأسقطت الملكيات المطلقة وجاءت بنظام الجمهوريات الذي كان نتاج حروب وصراعات عالمية امتدت من البحر الكاريبي الى الشرق الاوسط ، وهو الشئ الذي جعل المؤرخين على نطاق واسع يعتبرون الثورة الفرنسية واحدة من أهم الأحداث في تاريخ البشرية ، فكل الحركات الثورية تقريبا نظرت إلى إليها كسلف لها ، طبقا لما جاءت به من حلول وإصلاحات تعلقت بطبيعة الحكم وفرض قيم العدالة والمساواة بين الأشخاص . 
لقد جاءت الثورة الفرنسية من أجل قمع ما يعرف بالنظام الإقطاعي ولتحرير الفرد ، وضمان التوزيع العادل لملكية الأرض ، وإلغاء امتيازات النبلاء وفرض المساواة وتبسيط الحياة للكل ، وهو الشئ الذي شكل إنجازا للبشرية جمعاء على طريق التحرر والإنعتاق من كل أسباب الهيمنة والإضطهاد ، حيث ساهمت الثورة الفرنسية في ظهور الجمهوريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان ، وأصبحت هذه المفاهيم نقطة محورية لتطوير كل الإيديولوجيات السياسية الحديثة، وأدت الى انتشار الليبرالية ، الراديكالية ، القومية ، الإشتراكية ، والعلمانية ، وإعلان حقوق الانسان الذي شمل المرأة والعبيد ، ومهد لميلاد حركات التحرر من العبودية عبر العالم وكيفية استعادة الحقوق المسلوبة. 
وبما أن السياسات الدولية اليوم تسير تبعا للمصالح الإستيراتيجية التي تتبناها الدول المهيمنة على العالم واتباعها ، فإن هذه المفاهيم اصبحت باهتة ، لا بل وتحولت من نعمة الى نغمة أساسها الظلم وخلق الإرهاب الذي اصبح يتهدد شعوب ودول المعمورة وخاصة من العالم الثالث لأغراض التدخل في شؤونها والإستفادة من مواردها وميزاتها الإستيراتيجية ، ولائحة المتعرضين للظلم في هذا الصدد طويلة وكارثية ، لاسيما في زمن أحادية القطب الذي هيمنت فيه الولايات المتحدة الأمريكية بدعم حلفائها الأوروبيين وأتباعها من بقية العالم ، على المشهد الدولي بدافع المصلحة وحصد الإمتيازات السياسية والاقتصادية ، وهو الشئ الذي رأينا آثاره الظالمة في بعض بلدان امريكا اللاتينية كغواتيمالا ، كوبا نيكاراجوا ، البرازيل ، وفي الشيلى وغيرها ، وأخيرا في فنزويلا ، هذا بالإضافة الى ما يشهده الشرق الاوسط منذ إحتلال فلسطين 1948 ، وصولا الى ما عرفته العراق في 2003 جراء غزو التحالف الأمريكي الأوروبي المدعوم من طرف بعض الدول العربية للأسف ، وهو نفس السيناريو الذي استهدف به حلف الناتو ليبيا الغنية بالنفط سنة 2011 ، وتم على اساسه التدخل في سوريا عام 2014 ودعم المعارضة السورية ونشر الفوضى والإرهاب لزعزعة أمن هذا البلد الواقع على خط المواجهة مع إسرائيل ، والذي يعد من الجبهات المتقدمة للتحالف الروسي الإيراني اليوم . كما هددت بموجب هذه السياسة العدوانية أيضا دولة السودان وقسمت الى دولتين سنة 2011 وكانت الأخيرة منهما والتي تعرف اليوم بجمهورية جنوب السودان ، هي بيت القصيد طبقا للغة المصالح التي تحرك هذا التحالف الاستعماري الباحث عن الإمتيازات دوما ، والغير مؤمن اطلاقا بمواثيق وقرارات الشرعية الدولية في مايصبو إلى تحقيقه من أهداف ومزايا ، ولهذا كان غرضه في السودان هو السيطرة على جنوبه الغني وبالتحديد دارفور ، واستغلال بترول هذه المنطقة في ظل الخلاف السائد بين زعامات هذا البلد الحديث الولادة ، والذي مازال يفتقد الى البنى التحتية اللازمة وإلى إرساء مؤسسات دولته وإستتباب مقاليد السلطة بها بما يخدم شعبها المتخلف ، الذي مازالت تهيمن على توجهاته الذهنيات القبلية البالية .
تحدث هذه المظالم كلها في ظل هذه الهيمنة المطلقة للاستعمار في ثوبه الجديد ، الذي يغض الطرف عن الانتهاكات التى ارتكبتها الأنظمة العسكرية خلال الحرب الباردة ، وترتكبها بعض الممالك والأنظة الديكتاتورية والعميلة المستبدة في الوقت الحالي .
إن المتأمل في بؤر الحروب والتوتر والصراعات اليوم ، لايجد من شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان والحفاظ على الأمن الفضفاضة ، إلا إسمها الذي لم يكن على مسمى بالنظر الى الرسم على الأرص ، والدليل الخراب والدمار وعدم الاستقرار وسوء الحالة الإنسانية في جميع البلدان التي إجتاحها الغرب بهذه النزوة الكاذبة ، التي سلبت الشعوب إرادتها في السيادة على أوطانها ، وأفقدتها مقدراتها واحلامها في تحقيق الرقي والازدهار ، فلا الديمقراطية تحققت بمفهومها الحقيقي ، ولا ظروف الإنسان تحسنت كما ينبغي ، ولا الأمن النفسي والغذائي استتب كما يرجى ، بل أن الكوارث والأزمات والمآسي أخذت تضرب اطنابها في أغلبية الدول التي إجتاحتها قوى الشر والعدوان الغربية هذه ، والواقع أصدق دليل على ذلك ، حيث ضعفت العراق التي كانت قوية بسياساتها في جميع المجالات واصبحت تستعير فيها اليوم نار المحاصصة والطائفية ، وفشلت ليبيا وصارت مركحا للتجاذبات وللصراعات القبلية ، وانتشر الإرهاب والخراب والدمار في سوريا ، وهزلت السودان حين قسمت ، وضاعت فلسطين وبيعت في صفقة القرن ، وكثر اللاجئون والمضطهدون والضحايا في ارجاء المعمورة .
أما عن دول امريكا اللاتينية التي استهدفت فحدث ولا حرج ، حيث الحصار الخانق والتضييق بكل أشكاله لمن يشق عصا الطاعة من أنظمتها التحررية ، ورغم هول المصيبة إلا أن بعضها نجا بفعل المقاومة والثبات من الوقوع في المصيدة ، ونذكر من هذه لا الحصر جمهورية كوبا التي عانت من الحصار طويلا وتعرض زعيمها الراحل فيديل كاسترو لمئات محاولات الإغتيال ، وجمهورية فنزويلا التي استهدف رئيسها السابق الراحل هوغو تشافيز بإنقلاب وأعاده الشعب وأحرار وطنه الى السلطة ، وهاهو الآن رئيسها الحالي نيكولاس مادورو يستهدف تحت ذرائع واهية كالديكتاتورية وإيصاله بلاده الى حافة الهاوية ، وهذه كلها فبركات زاد من إنطلائها على المواطن الفنزويلي نتائج الحصار الأمريكي المفروض على بلده ، والذي يدفع بإتجاه إستغلال خيرات فنزويلا من النفط والغاز خاصة ، ولا تخفى في هذه الحالة الطريقة التي ألبت بها الولايات المتحدة الأمريكية بعض الشعب الفنزويلي على سلطته الشرعية ، من خلال تمهيد الطريق للمعارضة ودعمها بأصول الشركة الفنزويلية للبترول المجمدة ، وخلق الأزمات للنظام الحاكم من خلال تجويع المواطن الفنزويلي وإلحاق به الأذى من خلال تدهور الأوضاع الصحية وقطع الكهرباء مؤخرا عن كل ارجاء البلد ، ومحاولة إحداث شلل تام في كل مفاصل هذه الدولة التحررية . 
من خلال كل ما سبق ذكره وطبقا للنتائج التي آلت إليها الدول المستهدفة عن سابق إصرار وترصد ، ينبغي على كل الوطنيين وكل أحرار العالم التنبه للفخ الذي ينصبه الغرب لدولهم ، وقد يدفع بهم بوعي أو بغير وعي الى مناهضة مصلحة بلدانهم العليا والزج بمصيرها في غياهب المجهول ، فمن أسوء صور الخيانة واتفهها أن يبيع الإنسان كرامته ووطنه وقوميته بحفنة من الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع في الضمير ، ولا يسعني في هذا الإطار إلا أن أحيي أشقائي في جزائر العزة والكرامة على قيمهم النبيلة وعلى نخوتهم المتسامية وحبهم المنقطع النظير لوطنهم الذي لم يسمعوا فيه لومة لائم ، رغم محاولات الأعداء الإيقاع بهم في دوامة العنف والإنزلاق الهمجي ، كما أثني على ديمقراطيتهم الراقية وعلى حرصهم الشديد على مؤسسات الدولة الجزائرية وعلى سلامة المواطن والحفاظ على ممتلكاته وأمنه من خلال التظاهر السلمي المسؤول والرائع بكل صوره ومعاملاته ، وبهذا يكون الشعب الجزائري حقا قد أعطى دروسا حقيقية وواقعية لفرنسا الإستعمارية وثورتها التي غابت قيمها كما غابت في احتجاجات اصحاب السترات الصفراء ، الذين خربوا الأماكن العمومية وكسروا المحلات واضرموا النيران في الشوارع والطرقات وقهروا سلطة دولتهم المتذبذبة ومرغوا سطوتها الكاذبة بالأرض .
حفظ الله كل الدول المحبة للعدل والسلام وأعزها بنخوة الكرامة ، وأذل أعداءها بالخزي والعار الى يوم الدين .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...