ثمن قصة الشعر...
اتجه الى المعركة وهو لم يقص خصلة شعر رأسه بعد و هي عادة عند الرجال انذاك انهم لا يقصون خصلة شعرهم (لقطب) الا بعد المعركة الاولى لهم ,لم يكن يحمل بندقية و لا جمل بل كان رديف مع آخر ...
كان لديه اليقين من النصر و غنم بندقية او اكثر ,كعادة اهله, شاب من الصحراء !!!ذلك ان مميزات الشباب انذاك ان يكون مدربا جدا, حيث العادة انذاك ان يعمد الرجل الى قرن ولده منذ الصغر مع جمله و لا يمشي الولد منتعلا في هذه المرحلة ابدا , فاذا وقف الجمل وقف و اذا سار سار و اذا اسرع قليلا اسرع و اذا جرى جرى جريه يعني ان يكون الطفل جملا في قوته و في صبره و قس على امور الحياة الاخرى لا الحصر, من ذلك في اللباس الذي كان محدودا انذاك و لا يلبس الولد الا قطعة قماش صغيرة مع اختلاف الفصول من البرد القارس في الصحراء و الحرارة الشديدة .
يقوم الولد بكل الاعمال مثل السقي و جمع الحطب و اشعال النار و الصيد و الطبخ و غيره من الاعمال حتى يشتد عوده و يصلب بمعية الاب الذي هو ايضا في المقام كما في الترحال مدرسة مستمرة, يحفظه ما شاء من القرآن و من الشعر العربي و الحساني و الامثال و الحكم و التاريخ و كل عن ظهر قلب, حتى تتسع ذاكرته و يكون يحفظ من اول سماع الشعر و يقرضه و هو ما يمكن الطفل من ان يمرن ذاكرته و يكسبه الذكاء و حدة الذهن اضافة الى المهارات الجسدية ,ملازما للاب في حله و ترحاله , يعلمه استعمال السلاح و الرماية الدقيقة و مهارات ركوب الابل و الخيل و الحرب و كيف يرمي الراحلة على الناقة و يقطع القيد فلا وقت لفكه و يركب عليها وهي مسرعة بكل سلاحه و متاعه و كيف يضرب الرصاص و يناور و يقفز من اعلاها و يضرب و هو ينظر للامام و الى الخلف كالجن ...حياة الخشونة و القوة لا رحمة ولا مكان للضعيف فيها و البقاء فقط للاقوي ...
ثم يعرفه على الابل علومها من معرفة اسنانها الى تدجينها و تربيتها و سقائها و تتبع آثارها... و كل عائلة لها مهاراتها الخاصة و صفاتها الاخرى التي تتميز بها من الشمائل العربية الاصيلة كمعرفة الارض و النبات و التداوي و التجارة و الكرم و نجدة المظلوم و خفايا و اسرار في ارض عصت على العدو سنوات طوال و هابها كل من درسها و كانت آخر مستعمرة و لم يدخل المستعمر الا بالتجارة ان التربية القاسية التي ورثها الاجداد للابناء كانت السر و ما يفسر ارتباط الابناء بالآباء و الاجداد و انبهارهم بهم و احترامهم و اجلالهم و لا يصل الولد الى البلوغ حتى يكون رجلا يحسب له الف حساب و يقول المثل الحساني (بو صوم الا من القوم و الا ما اعليه اللوم).
و هكذا كان بطلنا ذاهب الى المعركة بلا سلاح و لكن له القدرة و الثقة على انتزاع سلاح و مركوب و ان الذين قادم اليهم له من المؤهلات و المعنويات الحديدية التي يتصاغر امامها كل امر جلل.
و نذكر في هذا السياق ان احد رجال الصحراء كان قد غزا و ساق (اوسيقة) اي غنيمة ابل و هو مسرع بها اذا ذكر نعام فساقه معها و هو الامر الشبه العجيب , حيث ظل يدجنه معها , و لما وصل قال لاصحابه قسموا في نصيبي مع ذلك الجمل الازرق , يعني ذكر النعام فلما اقتربوا منه اذا بريشه قد نتف من كثرة ضربه له كي يبقى وسط القطيع المساق!!!
و نعود الى بطلنا الشاب الذي لم يكن الا حمادي ولد الشيخ ولد احمد باب الذي ذهب قاطعا مئات الكيلومترات على قدمه كي يخوض اول معركة له و يقص شعره بعد المعركة الشهيرة ام التونسي و يرجع مع جراح و غنيمة ببندقيتين (رباعيتين) و جمل احد المستعمرين الفرنسيس بكل زينته و هو اقصى ما يتمناه الشاب آنذاك و لكن الجرح و النزيف المستمر لم يمهله طويلا لتكون سبب الوفاة هو جراح المعركة التي خاضها هذا البطل مع غيره من ابطال اهل الصحراء ,في معركة ام التونسي الشهيرة و هو ديدن اهل الصحراء الاحرار الاقوياء فلا نامت اعين الجبناء.
ان قوة و صلابة و نوعية الانسان الصحراوي قد اظهرتها الحرب الاخيرة مع تكالب الجيران و قوة تسليح العدو المغربي الذي لم يلجأ للسلام حبا بل كرها و اننا نتمنى ان يرحل عن ارضنا قبل ان تسيل انهار من الدماء...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...