الخلفيات الحقيقية لإستقالة عبد الباري عطوان من رئاسة تحرير القدس العربي

حوار مع د. رياض الصيداوي مدير المركز العربي للدراسات السياسية والإجتماعية في جنيف
حاوره: فهيم الصوراني

نص الحوار:

سؤال: الدكتور رياض الصيداوي مدير المركز العربي للدراسات السياسية والإجتماعية في جنيف أهلا وسهلا بكم ضيفا على موجات إذاعة صوت روسيا من موسكو، موضوع حوارنا لهذا اليوم تداعيات ودلالات استقالة الإعلامي والمحلل السياسي عبد الباري عطوان من منصب رئاسة تحرير صحيفة القدس العربي، ما إن انتشر الخبر حتى شهدت وسائل الإعلام تكهنات ومحاولات لتحليل هذه الخطوة المفاجئة من قبل السيد عبد الباري عطوان من بين هذه التشخيصات والقراءات حديث عن محاولة بلد عربي وحكومة عربية السيطرة على هذه الصحيفة التي تتمتع بالانتشار وشعبية واسعة وتغيير خطها ونهجها التحريري، دكتور رياض الصيداوي في أي سياق تقرؤون وتحللون هذه الاستقالة المفاجئة للسيد عبد الباري عطوان؟

جواب: هي فعلا استقالة مفاجئة لشخصية معروفة مثل السيد عبد الباري عطوان، باعتباري كتبت كثيرا في صحيفة القدس العربي والتقيت به وجلسنا وسهرنا حتى مطلع الفجر وتحدثنا حتى في الكواليس ربما، وقلت له كم تطبع يوميا القدس العربي قال لي 65 ألف نسخة، وقلت له تعرف أنه كلما تطبع أكثر وتبيع أكثر كلما تخسر أكثر فضحك، وقلت له أيضا أنا آت من الإعلام وأعرف الوسط الإعلامي، الصحافة العربية الصادرة في لندن مثل الحياة والقدس العربي والشرق الأوسط كل ما تبيع أكثر كل ما تخسر أكثر، للوهلة الأولى هي مفاجأة، لماذا؟
أعطيك على سبيل المثال هذه الصحافة العربية في لندن، يباع مثلا العدد في تونس بدولار، بل وأقل من دولار، وشركة التوزيع التونسية تأخذ أكثر من 50% أي نصف دولار والشحن يكلف أكثر من نصف دولار باعتبار شحن الكيلو بستة أو سبع دولارات للشحن الجوي، إذا كل ما تبيع الصحيفة أكثر كل ما تخسر أكثر، طبعا لا يوجد إشهار في هذه الصحف ولا أحد يشهر فيها وإنما هي تعتمد على دعم جهات بمعنى دعم دول عربية وفي بعض الأحيان في بعض الأحيان بشكل غير مباشر عن طريق رجال أعمال، حتى نضع القارئ في الصورة ما معنى صحيفة عربية تصدر في لندن، بالنسبة للصديق عبد الباري عطوان طبعا فاجأ الجميع لأنه أولا صحيفة القدس العربي هي ملك شركة يمتلكها عبد الباري عطوان أسسها في بدايتها الأولى الفلسطينيون وكان لها دعم من ياسر عرفات، وواضح أنه ليست السعودية التي تدعمها رغم أنه له علاقة جيدة بالأمير طلال بن عبد العزيز باعتباره كان يعمل له حوارات ويضعها على الصفحة الأولى، والواضح أن خطها قريب من قطر باعتبار أنها تتحدث دائما بإيجابية عن قطر، لكن في نفس الوقت وإحقاقا للحق ما يميز القدس العربي أنها ممكن أن تنشر مقالين متناقضين في نفس الوثت، ممكن أن تنشر مثلا مقالا ضد سوريا وضد الرئس بشار الأسد حاد، وفي نفس الوقت تترك رشاد أبو شعر وفي مقالات الرأي يدافع عن النظام، عبد الباري عطوان ذكي وإنه يحتمل الخلاف، ويحتمل المقالات التي لا يوافق عنها شخصيا والتي لا تذهب في إطار خط التحرير، هذه التجربة طبعا كانت في حقل ألغام لأنه دائما السؤال المطروح من يمول الصحف، الحياة يمولها الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز ولديه ثروة ضخمة جدا، أما عبد الباري عطوان فقد عانى كثيرا من الشح ويبدو وهذه فرضية أن تغيير أمير قطر غير من الاستراتيجية القطرية في دعم حركات الاخوان المسلمين ووسائل الإعلام وقد يكون ذلك أثر بشكل مباشر على عبد الباري عطوان بأنهم لم يعودوا يستطيعوا أن يتحملوا التحرير، ولكن بما أن علاقتهم طيبة جدا معه وسبق أن دعموه، يبدو أنهم يريدون أن يأخذوا الصحيفة بدون عبد الباري عطوان باعتبارهم أنهم يدعموها فليكن الدعم كاملا، طبعا بعض الفرضيات الأخرى يقولون إمارتيين، ولو أن ذلك مستبعدا لأنه الصديق عبد الباري عطوان قال لي أن علاقته جيدة وطيبة مع الإماراتيين، وهناك أطروحة أخرى وفرضيات عمل بأن التنظيم الدولي للاخوان المسلمين الذي حس بضربة كبيرة في مصر يسعى إلى شراء بعض الوسائل الإعلامية وهو لديه قناة الحوار التي تبث من لندن الذي يدير الأخ والصديق عزام التميني، أيضا يحاولون أن يأخذوا صحيفة القدس العربي، نقول ذلك فرضيات عمل.

سؤال: سؤال دكتور إذا سلمنا فيما يعتبره الكثير من المراقبين بأن الامبراطورية الإعلامية لقطر ممثلة بقناة الجزيرة تراجعن في العامين الأخيرين بشكل حاد جدا بسبب تغطيتها لأحداث ما يسمى بالربيع العربي، هل يمكن شراء صحيفة القدس العربي في سياق التعويض عن هذه الخسارة التي تعرضت لها الامبراطورية الإعلامية القطرية؟
جواب: ممكن جدا بل أدعمك أكثر من ذلك أن قطر بدأت تغير استراتجيتها الإعلامية باعتبار انهيار عدد مشاهدي قناة الجزيرة من 43 مليون إلى 6 مليون مشاهد يوميا، إنه انهيار فظيع جدا، بكل ما أنفقته القناة من مليارات أصبحت فاقدة للمصداقية وانهار عدد مشاهديها، هذا ما يقوله معهد سبر آراء أمريكي، طلبت منه قطر أن يقوم بهذه الدراسة، طلبت منه قطر أن يقوم بهذه الدراسة فقال أن عدد مشاهدي الجزيرة انهار من 43 مليون إلى 6 مليون مشاهد يوميا، ما فعلته قطر هو أنها بدأت تعتمد على قنوات مثل كويكبات صغيرة تتبع الجزيرة في نفس خط التحرير، وعلى ما يبدو أنه في تونس مولوا بعض القنوات التلفزيونية ، وفي مصر نفس الشيء بعض القنوات القريبة منهم مثل قناة الحوار اللندنية وإلى آخره، هنا وهناك، أيضا حاولوا استعادة القدس العربي، لأنه نذكر أن القيادة القطرية منذ حوالي تسعة سنوات فكرت في إنشاء صحيفة في لندن مثل القدس العربي، ولكن تركت القدس باعتبار لا تريد ان تنافسها، وباعتبار أن علاقتها أيضا كانت جيدة بعبد الباري عطوان، اليوم يريدون أن ياخذوا بزمام الأمورن ربما أيضا أن شخصية عبد الباري عطوان أصبحت في بعض الأحيان مؤرقة لقطر، وأقول لك متى: كان عبد الباري عطوان يوميا تقريبا في قناة الجزيرة هو نجمها الأول وفجأة لم نعد نرى عبد الباري عطوان على قناة الجزيرة، وإنما في بعض القنوات الصغيرة الموالية لقطر مثل قناة الحوار اللندنية ، والسؤال لماذا؟ لأن أمير قطر ذهب إلى السعودية إلى الرياض والتقى بالراحل سلطان بن عبد العزيز وحدثت المصالحة الكبرى بين قطر والسعودية فقامت قطر بسحب حتى أرشيف الجزيرة الذي يهاجم السعودية، لأنه كانت حملة شرسة بين الجزيرة والسعودية، ونفس الشيء انعكس على عبد الباري عطوان الذي منع بشكل او بآخر من الظهور والبروز في الجزيرة الذي كان في الماضي.

سؤال: بتعبير آخر محاولة لتغيير الخط التحريري لبعض وسائل الإعلام للحد من الهجوم على السعودية الذي تكفلت به قناة الجزيرة لعدة سنوات؟
جواب: هو أكثر من ذلك بالواقع لأن الحرب الباردة بين قطر والسعودية ما زالت مستمرة ولكن عبر الكويكبات وليس عبر العربية والجزيرة، بل عبر القنوات الأخرى التابعة لكل منها، ونسميها كويكبات وتلفزيونات صغيرة ما زالت في هذا الصراع السعودي القطري لأنه صراع حقيقي في المنطقة وصراع دولي شرس في المنطقة ولكن ليس ليس بشكل مباشر وليس علني على مستوى الجزيرة والعربية، أيضا كما قلت لك عبد الباري عطوان كان يسمح لنفسه دائما بأن يأخذ مساحة حرية قد تضايق حتى من يموله، وقد تضايق مثلا القيادة القطرية بسبب موقفه من ليبيا وموقفه من سوريا الذي لا يتطابق مع موقف قطر التي تورطت كلية في المأزق الليبي كما تورطت في المأزق السوري، واليوم الأعلام القطرية تحرق في ليبيا وفي تونس وفي مصر وغيرها. عبد الباري عطوان أخذ موقفا داعما يستطيع أن يناور فيه وألا يتورط حتى يصبح بوق ناطق رسمي باسم قطر حتى ولو كانت تدعمه في صحيفته.

سؤال: دكتور رياض بعد تغير الحكم أو تسليم الحكم في قطر شهدنا تغيرات تتعلق بإقالة رئيس الوزراء ووزير الخارجية وتشكيل حكومة جديدة وطرد القرضاوي من قطر وإغلاق مقر حركة طالبان في الدوحة، وهناك تغيرات تجري تباعا، برايكم هذه الخطوة لو سلمنا أيضا تأتي في نطاق النظرة القطرية لدور وسائل الإعلام ومحاولة إعادة صياغة النهج التحريري والخطاب السياسي العام، هل تأتي أيضا ضمن هذا السياق العام في تغيير قطر لنهجها في المنطقة سواء من خلال وسائل الإعلام أو من خلال الميدان؟
جواب: بالنسبة للشأن القطري لا بد أن نركز على مسألتين ثم ثوابت في قطر وثم متغيرات، الثوابت مثلا قطر فيها أكبر القواعد العسكرية في العالم تقريبا هي قاعدة العديد الجوية وقاعدة سيلي البرية ومنها انطلقت صواريخ لضرب بغداد وغزو العراق ولضرب ليبيا وضرب طرابلس وضرب سوريا وغيرها، إذا السياسية القطرية هي تحت محمية أمريكية بشكل مطلق، أي لا سبيل لأن تعارض سياسة قطر سياسة أمريكا أو تتناقض معها بل الملاحظون يقولون أن أقرب دولة عربية على الإطلاق لواشنطن وتطبق أجندتها بحذافيرها هي قطر باعتبار أنها استضافت أكبر قواعد عسكرية أمريكية، أيضا الثابت الثاني أن النظام السياسي القطري كما كنا نصنفه في العلوم السياسية كديكتاتورية استبدادية مطلقة ومنغلقة على نفسها بمعنى أن قطر لا يوجد فيها أي مظهر من مظاهر الحداثة الديمقراطية، لا تعددية حزبية ولا حرية سياسية ولا انتخابات ولا ديمقراطية ولا هم يحزنون. وها هي قطر قامت بسجن الشاعر محمد بن ديب العجمي بالسجن المؤبد بسبب أنه ألف قصيدة كلنا تونس، قصيدة يمدح فيها الثورة التونسية ويندد بالديكتاتورية والاستبداد في قطر ويدعو الشعب القطري للثورة مثل الشعب التونسي، فكان نصيبه السجن المؤبد، قمنا في تونس والمغرب العربي بحملة دولية لصالحه، وتحت ضغط منظمات حقوق الإنسان في أوروبا أيضا تم تنزيل الحكم من السجن المؤبد إلى 15 عشر عاما من السجن، إذا الشاعر محمد ديب العجمي يعاني 15 سنة سجن لأنه كتب قصيدة كلنا تونس، ما أريد أن أقوله هذا التناقض الجوهري في قطر أننا داخليا دكتاتورية استبدادية مطلقة لا تسمح بأي شكل من أشكال الانتقاد للأمير أو التنفيس السياسي أو الديمقراطية أو صناديق الانتخابات، فكل هذا ممنوع وفي نفس الوقت وظفت جيشا من الصحفيين العرب ووظفت جيشا من السياسيين العرب والمحللين وأنفقت أموالا طائلة للجزيرة حيث ميزانيتها هي ميزانية دول عربية فقيرة في بعض الأحيان من أجل التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومن أجل التلاعب السياسي في الدول الأخرى، ولكن ذلك لحساب واشنطن بمعنى لحساب قاعدة العديد وقاعدة السيليا في المنطقة، حتى على المستوى الديني لعبت نفس الدور، حيث أسست قطر تنظيما عالميا اسمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سنة 2004 ووضعت يوسف القرضاوي على رأسه لمواجهة السعودية التي سبق وأسست الرابطة الإسلامية العالمية في سنة 1962 وحدثت حرب فقهية وحرب شيوخ بين الجزيرة والعربية، بين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والرابطة الاسلامية العالمية وشيوخهم أيضا يشتمون ويسبون في بعضهم بعضا في إطار مصالح هذه الدول.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...