مقالات تمس العمق"قراءة في بيان السفارة المغربية بالاردن حول الصحراء الغربية...د.غالي الزبير

الدكتور غالي الزبير
طالعت كما هو حال الكثير من المتتبعين ما سمته السفارة المغربية في عمان بالرد على سلسلة مقالات نشرتها "السوسنة" للصحافي الأردني "خالد هيلات" التي نشر فيه حقائق وصور من مشاهداته وانطباعاته عن النزاع الطويل في الصحراء الغربية وقد وصفها بيان السفارة بالمغالطات والتبني لأطروحة "البوليساريو" وقدمت كرد منها ما أسمته ببيان لتنوير الرأي العام، وقد جاء "البيان التنويري" متخماً بالمغالطات والصيغ الفضفاضة والتي سرعان ما ينكشف خواءها لو عرضت على النصوص التي اختزلت من سياقها وقدمت بنية إيهام الرأي العام بصحة الأطروحة المغربية التي لم تجد حتى الآن من يؤمن بها سوى أصحابها، وعليه وجب إيضاح بعض الحقائق التي تم التجني عليها على طريقة "ويل للمصلين"، عل القارئ يكون في صورة حقائق النزاع الصحراوي – المغربي الذي لا تعطيه وسائل الإعلام العربية حقه من التناول.أولا: السياق التاريخي: الصحراء الغربية كانت مستعمرة اسبانية مرسمة الحدود باتفاقيات دولية في حين كان جوارها الإقليمي خاضعا للاستعمار الفرنسي كما هو معلوم، والدخول الاسباني للصحراء الغربية تم عبر سلسة اتفاقيات بين ممثلي الملك الاسباني وشيوخ القبائل الصحراوية، لأن الصحراء الغربية حينها كانت تحكم بمجلس قبلي محلي مستقل ولم تكن تابعة بأي حال من الأحوال للعرش المغربي بشهادة الرحالة والمستكشفين الأوربيين وغيرهم الذين زاروا المنطقة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ويمكن الاطلاع على كتاب الأستاذ "موريس باربي" أستاذ القانون بجامعة "نانسي" بفرنسا الصادر عن دار "لارماتان" سنة 1985 تحت عنوان" رحلات واستكشافات في الصحراء الغربية خلال القرن التاسع عشر" وقد عرض فيه شهادات 21 رحالة ومستكشف من فرنسا واسبانيا وبلجيكا وألمانيا وأمريكا والسنغال وغيرها، أجمعت كلها على استقلالية الصحراء الغربية عن الحكم المغربي خلال الفترة السابقة للاحتلال الإسباني للصحراء الغربية.هذا أولاً وثانياً لم يسجل أي سياسي أو باحث أو مؤرخ مغربي اعتراض السلطة المغربية على الإعلان الملكي الاسباني عن ضم الصحراء الغربية للأراضي الاسبانية الصادر في ديسمبر 1884 وبيان ممثل اسبانيا في مؤتمر برلين لتقسيم المستعمرات الإفريقية والمعلن عن سيادة اسبانيا على الصحراء الغربية على الرغم من وجود سفير اسباني في المغرب حينها، وهو ما يظهر بجلاء أن السلطة المغربية حينها كانت ترى أن الصحراء الغربية أراضي مستقلة عنها بصورة كاملة، وعليه لم يكن هناك موجب للاعتراض ولا سياق قانوني أو سياسي للقيام به. والسياق التاريخي يقتضي كذلك التذكير بالأطماع المغربية التي لم تسلم منها موريتانيا التي ظل المغرب يرفض الاعتراف باستقلالها لمدة عشر سنوات بل ظل يناطح على جميع المستويات بأنها موريتانيا كلها جزء من المغرب ثم عاد للاعتراف باستقلالها وسيادتها للتبخر كل الحجج والمزاعم التي تستعمل الآن في القضية الصحراوية، وامتدت الأطماع المغربية للتوسع في الأراضي الجزائرية حيث كان المغرب يطالب بحوالي 200 ألف كيلومتر مربع من تراب الجزائر التي انتزعتها بدماء مليون ونصف المليون من شهداءها ليحاول المغرب ضمها بالقوة وهو ما سبب حرب الرمال سنة 1963 ثم عاد المغرب ليقر بسيادة الجزائر على كامل ترابها وتتبخر مرة أخرى المطامع والتبريرات المغربية المختلقة. وعلى الرغم من أن المغرب قد نال استقلاله عن فرنسا في مارس سنة 1956 فقد ظلت الصحراء الغربية ترزح تحت الاحتلال الاسباني حتى شهر فبراير 1976، فأين كان المغرب خلال عشرين سنة من الاستقلال عن ما يسميها "صحرائه"، التي لم يظهر مطامعه التوسعية فيها إلا بعد تأسيس جبهة التحرير الصحراوية المعروفة اختصارا بـ"البوليساريو" التي تأسست في 10 ماي - نيسان 1973 وتمكنت خلال سنتين من تحرير معظم الأراضي الصحراوية في معارك غير متكافئة مع القوة الاستعمارية الاسبانية أرغمتها على الإعلان عن نيتها في تطبيق القرارات الأممية القاضية بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية وهي القرارات التي ظلت الجمعية العامة تؤكد على ضرورتها منذ دورتها الواحدة والعشرين في سبتمبر – أيلول 1966 وحتى الساعة. وقد زعم "البيان التنويري" بأنه " لم يتم الاعتراف ب"البوليساريو" بكونه "حركة تحرير"، أو ممثلا شرعيا" للساكنة الصحراويــــة، لأنه لا يتوفر على أي سند قانوني أو شعبي ولا على أدنى شرعيـة ديمقراطيــة، تجعله يرقـى إلى تمثيليــة الساكنــة ذات الأصول الصحراوية".ونرد على هذا الزعم بنصين صريحين لا نحتاج معهما إلى أي تعليق، لأنهما يكشفان ببساطة الاختلاق والفجاجة التي يريد بها "البيان التنويري"مغالطة الرأي العام وقراء "السوسنة".• الأول: تقرير البعثة الأممية التي أرسلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق في الصحراء الغربية والبلدان المجاورة واسبانيا في الفترة مابين 12 ماي - آيار و9 يونيو - حزيران 1975 وضمت اللجنة ممثلي كل من ساحل العاج وكوبا وإيران لدى الأمم المتحدة، يقول بالنص" في كل مكان وصلته البعثة كانت تقابل بالجماهير المؤيدة لجبهة البوليساريو التي تعتبر القوة السياسية الوحيدة الممثلة لشعب الصحراء الغربية الذي يريد الاستقلال و يرفض أي صورة من صور الضم". وخلصت البعثة في توصيتها إلى أنه على "الجمعية العامة أن تتخذ الخطوات اللازمة لتمكين هذا الشعب من تقرير مستقبله بحرية كاملة وفي سلام وأمن..."• الثاني: اللائحة رقم 34/37 الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 نوفمبر1979 تقول بالحرف الواحد في فقرتها السابعة بأن الجمعية العامة "توصي في النهاية بأن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، ممثل الشعب الصحراوي، ينبغي أن تشارك وبصفة كاملة في البحث عن أي حل سياسي عادل ونهائي لنزاع الصحراء الغربية وفقاً للوائح هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية وحركة بلدان عدم الانحياز"ومن المفيد هنا أن نذكر بأن الفقرة الخامسة من هذه اللائحة تقول أن الجمعية العامة " تعرب عن استياءها من تفاقم الوضع الناجم عن استمرار احتلال الصحراء الغربية من طرف المغرب وضم هذا الاحتلال للأراضي التي أخلتها موريتانيا مؤخراً".أي أنها تصف الوجود المغربي في الصحراء الغربية بالاحتلال وعليه فإن هذا الوجود وبنص القرار الدولي هذا يماثل وجود الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. واللائحة المذكورة موجودة على صفحة الأمم المتحدة على الرابط التالي:http://www.un.org/documents/ga/res/34/a34res37.pdf ثم يزعم كاتب البيان بأن المغرب ضم الصحراء الغربية تأسيساً على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في 14 أكتوبر، 1975وبداية نصحح لسعادة السفير معلوماته بأن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول الصحراء الغربية قد صدر يوم 16 أكتوبر 1975 وليس كما زعم بيانه "التنويري" ثم أن نص الرأي الاستشاري للمحكمة يخلص بعد عرضه لتفاصيل الموضوع إلى القول حرفياً " خلاصة رأي المحكمة هو أن المواد والمعلومات المقدمة إليها لا تثبت أي علاقة سيادة إقليمية بين إقليم الصحراء الغربية والمملكة المغربية أو الكيان الموريتاني".والنص موجود على موقع محكمة العدل الدولية على الرابط التالي:http://www.icj-cij.org/docket/index.php?sum=323&code=sa&p1=3&p2=4&case=61&k=69&p3=5 ثم أن اتفاقية مدريد الموقعة بين المغرب وموريتانيا واسبانيا والتي زعم "البيان" أن المغرب دخل بموجبها الصحراء الغربية قد فقدت شرعيتها لانسحاب أحد موقعيها وهو الطرف الموريتاني الذي يعترف اليوم بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة ذات سيادة، فضلا عن أن اتفاقية مدريد خولت للمغرب إدارة الصحراء الغربية ولم تمنحه حق السيادة عليها كما جاء في الرأي الصادرة عن المستشار القانوني للأمم المتحدة هانس كوريل الصادر في 29 يناير 2002.وفضلاً عن كل ذلك، فقد ظلت القضية الصحراوية حتى الساعة مسجلة ضمن الأقاليم الستة عشر التي تشرف اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار سنوياً على عرضها باعتبارها الأقاليم لم تتم فيها تصفية الاستعمار حتى الآن، ثم أنه لا توجد دولة واحدة من دول العالم ولا منظمة قارية ولا دولية واحدة تعترف بالاحتلال المغربي للصحراء الغربية وهذا ما يفسر استثناء الولايات المتحدة للصحراء الغربية من اتفاق التجارة الحرة مع المغرب الموقع سنة 2004 وهو ما يفسر كذلك امتناع البرلمان الأوربي عن تجديد اتفاق الصيد البحري مع المغرب إلا إذا استثنيت منه المياه الإقليمية الصحراوية.ونترك لذكاء القارئ – بعد كل هذا- الحكم على زعم بيان السفارة المغربية حين يقول: "المغرب استرجع الصحراء من الاستعمار الإسباني في إطار الشرعية الدولية".البوليساريو والصحراويون يزعم كاتب البيان أن البوليساريو كيان مختلق وأن الصحراويين قد قرروا مصيرهم واختاروا مغربية الصحراء والسؤال البسيط الذي ينسف هذه الأطروحة المغربية يكمن في الاعتراف الدولي الواسع بجبهة البوليساريو حيث توجد ممثلياتها في جميع العواصم الكبرى وتعترف بالجمهورية العربية الصحراوية عشرات الدول ثم أنها عضو مؤسس كامل الحقوق في الاتحاد الإفريقي، وبعد هذا وذاك يتفاوض النظام المغربي على أعلى مستوياته من الملك الحالي حين كان وليا للعهد إلى رئيس الحكومة المغربية إلى وزراء الداخلية والخارجية والأمن مع البوليساريو، فهل يتفاوضون تحت إشراف الأمم المتحدة مع أشباح وكيانات مختلقة ووهمية؟ وإذا كان الصحراويون يتمتعون بالرفاه والتنمية ويفضلون المغرب فلماذا خرج من مدينة العيون وحدها ازيد من ثلاثين ألف ليعتصموا في مخيم "اكديم ازيك" الذي مثل برأي ناعوم تشاومسكي شرارة الربيع العربي، وهم يشكون الخصاص والفقر والاذلال وسؤ المعاملة؟ وإذا كان المغرب يثق في أن الصحراويين قد اختار المغرب فلماذا يحرمهم من التعبير عن هذا الاختيار بشفافية وأمام العالم عبر استفتاء حر ونزيه يمكن الصحراويين من إبداء رغباتهم الحقيقة وهو ما ظلت تدعو له الأمم المتحدة منذ عقود؟ أما الصورة السوداوية التي يرسمها "البيان التنويري" لحالة حقوق الإنسان في المخيمات الصحراوية فالرد عنها كامن في تقارير منظمات حقوق الإنسان الوازنة بدء من هيومن رايتس ووتش مرورا بمنظمة العفو الدولية ومركز روبرت كينيدي لحقوق الإنسان ومنظمة بيت الحرية ومنظمة الخط الأمامي واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب والتقارير السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان وكلها منشورة ومتاحة للقارئ على الشبكة العنكبوتية، فضلاً عن عشرات الصحافيين والكتاب العرب والأجانب الذين يزورون هذه المخيمات ومنهم لا على سبيل الحصر في الفترة الأخيرة فضلا عن الزميل خالد هيلات الكاتبة الصحافية التونسية حنان زبيس والباحثة الأردنية نازك صالح وغيرهم كثير كثير، وكلها تفضح بشكل سافر الاختلاقات والأوهام التي بنيت عليها آلة الدعاية المغربية الصدئة. ومن جهة أخرى يكشف الكثير من تقارير المنظمات الحقوقية حالة الرعب والتضييق على الحريات التي يعيشها الصحراويون في المدن المحتلة من الصحراء الغربية حيث يحرمون من حق التظاهر والتجمع والتعبير وتكوين الجمعيات الأهلية وحيث يوجد أزيد من سبعمائة من ضحايا الاختفاء القسري وعشرات الصحراويين المغدورين الذين قضوا تحت التعذيب الرهيب في المخابئ السرية التي كانت تشرف عليها الدولة المغربية في اكدز ومقلعة مكونة ودرب مولاي الشريف والسجن الأكحل وغيرها. فعن أية تنمية وعن أي حقوق تتحدثون بعد كل هذا في إقليم محتل وتتعرض ثرواته الطبيعية للاستنزاف والنهب غير الشرعي في وقت تصل البطالة بين سكانه إلى حوالي 25 بالمائة.وأخيرا نقول أن ما يسمى بـ"الحكم الذاتي" فقد أصبح متجاوزا ولم يعد موضوع للمفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة لأن المبعوث ألأممي إلى الصحراء الغربية كريستوفر روس قد خلص إلى أن الحل الديمقراطي العادل يكمن في تمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره واختيار مستقبله بحرية وهذا ما يخشاه الاحتلال وقد صدق الزعيم التيموري غوسماو خنانا حين قال " من يخاف الاستفتاء يخاف مواجهة الحقيقة".منقول عن الفيصل الإخباري شباط/فبراير 2013

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...