إنتصار مابوتو

Related image
بقلم مصطفى الكتاب

“إدراك الشيء الصحيح وعدم القيام به يدل على عدم وجود الشجاعة”. كونفوشيوس
اهتزت جُدُر وحيطان قصر القمع المغربي وتساقطت أوراق التوت مع نهاية صيف 2017 ليستفيق المخزن من غيبوبة إدمانه على وقع هزيمة شنيعة ترددت أصداؤها من مابوتو في القارة الإفريقية إلى طوكيو في أقصى القارة الآسيوية.
نعم، دبر القصر وحلفاؤه وكادوا كيدا عظيما واستقووا بالأجنبي كعادتهم، جلبوا الفرنسي والصهيوني وتآمروا على الياباني ليضعوا مقاتليه الساموراي في مقدمة الصدمة، لكن رد الحق كيدهم في نحورهم وشتت جمعهم وأفشل كيدهم بجمع قلوب وأهواء مناصريه على وحدة الصف ببصيرة من ينظر إلى ما هو أبعد من لذة حقنة مخدر أو قضاء ليلة مع مومس.
انتصار الحق الذي تمثل في إشعاع نور ألوان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الزاهية مضيئة قاعة المؤتمرات في مابوتو حتى أغشت عيون الوفد الياباني ليستفيق ويتذكر مقولة من تراثه ربما أنساه المتآمرون فيها: ” إدراك الشيء الصحيح وعدم القيام به يدل على عدم وجود الشجاعة. – (كونفوشيوس)”.
لكن المؤسف أن ذلك أي القيام بالشيء الصحيح لم يحصل حتى فقد الساموراي شجاعته ونزل عن عرش كبريائه التاريخي ومن عربة تقدمه الصناعي، وحصافة ثقافته بل وكل تراثه التاريخي العظيم، ليجد نفسه أمام أكثر الأشياء رعبا في تاريخه، ألا وهو المعروف باسم “هارا كيري” الواجب التنفيذ، أي الانتحار الشنيع حين يهزم ـ الساموراي ـ أو يفشل في الحفاظ على العادات والتقاليد، والمرارة التي جرعها بوريطا لحكومة اليابان في مابوتو ثلاثية الأبعاد، هزيمة في المواجهة مع الأفارقة، تفريط في العادات اليابانية العريقة، علنية غير قابلة للكتمان. فهل ستعالج حكومة اليابان ما أصابها بالاستمرار في المساهمة في نهب خيرات الشعب الصحراوي، إذ بلغت نسبة وارداتها في سنة 2013 من صادرات المغرب المنهوبة من الصحراء الغربية 62%، ربما، في زمن تهافت القيم وسيادة الجشع وانتشار عمى الفساد، كل شيء ممكن.
أما القصر ونذر شره المستطير نحو إفريقيا فسيتأسّون بهزيمة الساموراي، بل وقد يلقون عليه باللائمة، لأن هزائمهم تحاصرهم وباطلهم يفتك بهم أينما يمموا، فقبل مابوتو لائحة طويلة من الهزائم يثقل حصرها سواء في القارة الإفريقية أو خارجها.
الفشل في الحصول على اعتراف واحد بالسيادة على الصحراء الغربية حتى ولو كان من فرنسا الرسمية، الفشل في استغفال لجنة تصفية الاستعمار، الفشل في تحريف حكم المحكمة الأوروبية، الفشل في مجلس الأمن الدولي، الفشل في مجلس حقوق الإنسان، الفشل الأهم في إسكات صوت الشعب الصحراوي والقضاء على مقاومته رغم تعدد الوسائل والتفنن في الأساليب الهمجية الوحشية.
جاءت قمة مابوتو لتؤكد من جديد أن النظام المغربي ليس لديه من حجج ولا براهين يثبت بها ما يزعم من ادعاءات سوى قوة البلطجة والخروج على القانون الدولي مدعوما بالقناطير المقنطرة من دولارات يجنيها من نهب وسرقة ثروات الصحراء الغربية، وترويج المخدرات والمتاجرة في الدعارة.
حق القوة الممارس من قبل نظام الاستبداد المغربي وداعميه المخلصين تحاصره وتزهقه اليوم قوة حق الشعب الصحراوي في معركة مابوتو البطولية، التي حولت وزير خارجية صاحب الجلالة إلى “ناطور” ـ بواب ـ مطرود في الموزمبيق، ومتسكع ظلام يخرج ويدخل دون أن يأبه له أحد.
لكن سيظل نظام المخزن مستمرا في غيه وأساليبه التضليلية كعادته، سيقول بل قال وتُردّد ذلك وسائل إعلامه وما يستأجر من أقلام تمتهن التعيّش بالمداهنة والتزلف والمغالطة، وسيسيل الكثير من الحبر مهللا بتميز وحكمة ونضج السياسة الحكيمة التي ينتهجها المغرب تجاه “بعده الإفريقي” وحصافة خطوة العودة إلى حضن ماما إفريقيا، وأن ما حصل لم يحصل في القارة وإنما في اليابان  التي سينطق المغرب باسمها مؤكدا تأكيدها عدم الاعتراف بالدولة الصحراوية، وأن السبب في المشاكل هو التصرف غير اللائق لحكومة الموزمبيق، التي تآمرت على “الوحدة الترابية المغربية”، بل إن أمنها اعتدى على دبلوماسيين مغاربة وهو تصرف غير لائق، لأنهم لم يقوموا سوى بالمساعدة على “منع الفوضى ودخول من لا يحق لهم الدخول في القاعة” دون أن يحيطونا علما بأن المغرب كلّف رسميا من قبل مفوضية السلم والأمن الإفريقية ـ التي يرفض حضور اجتماعاتها ـ بتأمين القاعة.
وسيهملون الإشارة ولو من بعيد إلى أن البلد المضيف هو المسؤول عن أمن ضيوفه، ولن يذكروا أن اليابان في النهاية أدركت أين هي مصالحها، هل هي مع بلد معزول يسبح عكس التيار بمفرده كالموبوء، أو مع قارة واعدة منسجمة مع قوانينها، تحترم وعودها وتطبق مواثيقها.
لكن المخزن في عقر داره وفي صميم أحاسيسه يدرك مرارة الهزيمة وسيجد من بين أزلامه من يُحمّله إثمَ فشلٍ سببه تهافت المنطق وبطلان الادعاء، والتعنت في السير على غير هدى. فلا الهروب إلى الأمام يجدي، ولا اتهام الجيران يفيد، ولا التنكر لجوهر وحقيقة المشكل أفاد نظام الظلم والتوسع المغربي، كما لم يفده شراء الذمم وتحالف عباقرة الاستعمار وأتباعهم الأثرياء، لأن قوة حق الشعب الصحراوي تحدّت طغيان وجبروت المخزن وأركعته ومرغت أنف باطله في رمال الصحراء وخارجها، وما انتصار ما بوتو إلا صنو انتصارات صحراوية سبقته عسكرية وسياسية ودبلوماسية، ومقدمة لانتصارات أخرى ستلحقه متراكمة حتى ينجلي نير الاستعمار المخزني المغربي، باستكمال سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية على كامل ترابها الوطني.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...