النجمة وحبة الرمل ونسمة الهواء...

حمدي حمودي

أقسم ألا تكون عيون أبنائه زرقاء، أراد ان يبقى صافيا، مشعا من الداخل، بلا ألم لاحقا في العمق، ألا يقفز لون آخر الى بياض عينيه ولا الى سوادهما، أراد ان تبقى اسنانه تبرق بقوة، وتعض بقوة حين يريد، ودّ ان يحمي ذلك الوهج الحر في سويداء قلبه من ان يطمس.
لذلك رحل وحط بعيدا قرب الغزلان وقرب المها واعشاش النعام، وهَبَ جسمه للرياح، مثل اجنحة النسر مثل حبات الرمل ومثل أغصان شجر الطلح، مثل شعاع شمس صحرائه، بعيدا عن الظّلال وعن الضّباب وعن الغيوم.
ودق أوتاد خيّمه المصنوعة من فتيل شعر ماعزه هو، وكان الاطفال متشابهين كالتوائم، سود العيون، سود الشعر، سمر المحيا، يتكلمون نفس الكلام ويتحركون نفس الحركة ويتنفسون نفس الهواء ويتقاسمون نفس جرعة حليب الناقة، وحتى رنين الضحكات والوجه الضاحك الباسم يعيشون به الدنيا ويودعون، بكل رضى.
كانت السّماء في الليل تحتفل له، النّجوم تبرق وتغمز وتتكاثر وتتوالد له، علها تباهي لمعان الحصى له في النّهار، كان هناك صراع بين النّجمة وحبّة الرمل، منافسة لا تعني الا الطفل الصحراوي الحالم بمملكته الواسعة.
هكذا كان يشب ذلك الطفل بذلك الفكر ،بذلك الاحساس والشعور انه مهم الى درجة انه موضع غسل وطهارة دائمين بين شعاع النجمة المتدفق وبريق حبة الرمل الغامر كان يحس انه نسمة من الهواء الممتد بينهما الذي يشكل الكون والعالم والحياة،،،
ان السّماء كلها سماؤه والأرض أرضه، لذلك لم يكن جدوى لوسيط ولا طبقات ولا حواجز تحول دون ان يغوص في الكثبان برجله حتى الركب ولا ان يلعب في الرمال عاريا، يلتحم ويلتصق بتلك الحبات.
لذلك ظل المجتمع الصحراوي مجتمعا أفقيا، غير انه عميقا ومتجذرا في الأرض، وأيضا أبناؤه أمراء وملوك فرؤوسهم وعقولهم تحوم وسط النجوم.
فكنا نستطيع ان نفهم من حبة الرمل حبه للأرض ومن النجمة كبريائه وأنفته ومن هبات النسيم حبه للحرية ومن شعاع النور صفاء طبعه وطهارة روحه.
ومن بيئته الممتدة نستطيع ان نتلمس الطريق لفهم صفات كثيرة كالكرم والعطاء الغير محدود وصفات أخرى كثيرة تميزه...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...