خلات الجزائر

Image result for ‫محمد الهادي الحسني‬‎
محمد الهادي الحسني




مما حفظته وأنا مراهق أغنية الحاج أمحمد العنقى التي يقول فيها: "الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا". كنت أظن أن الأغنية تتحدث عن طرد الجيش الفرنسي من الجزائر، وما هو بالقليل، وما إخراجه من جنة الجزائر بالأمر البسيط، ولكنه نصر الله - عز وجل - يؤتيه من يشاء... بعدما تقدم بي العمر، واكتسبت بعض التجربة، واحتككت بأصحاب الآراء السديدة والأفكار الصائبة، وقرأت، ورأيت ورويت فهمت معنى آخر من أغنية الحاج العنقى، وهو الفهم الأصوب.. إنني منذ مدة وأنا أذيع قولا وكتابة الفهم، وهو أن الاستعمار الحقيقي الذي لم يبق في بلادنا هو ذلك "الجيش" غير المسلح، أي المستوطنون الأوروبيون - نصارى ويهود- الذين فروا من الجزائر في صائفة 1962، بعدما قذف الله - عز وجل - في قلوبهم الرعب لِما ارتكبوه في الجزائر من الجرائم... لقد ذكر جنرالهم، وجنرال بعض "الجزائريين"، دوغول أن عدد الذين رجعوا إلى فرنسا هو 980 ألف (مذكرات الأمل ص 380)، وكانوا يستحوذون على كل شيء في الجزائر... ولو بقوا في الجزائر لأصبح عددهم اليوم سبعة أو ثمانية ملايين، ومعهم "العلم" و"الثورة" وتحميهم فرنسا والقوانين الدولية، والالتزامات التي تعهَّد بها الجزائريون من بيان أول نوفمبر إلى اتفاقيات إفيان..
لو بقي أولئك المستوطنون لما كان نصيب من هذا "الاستقلال" إلا تلك "الراية" وهذا النشيد الذي يسعى "بعضنا" لإسقاط منه جملة "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب..." وقد تُحذف مستقبلا كما حُذفت "البسملة"، ومن تجرأ على الله - عز وجل - لا يكبر في صدره أن يتجرأ على الشهداء والمجاهدين..
إن ذهاب هؤلاء المستوطنين هو "نعمة النعم"، و"مِنَّة المنن"، التي لا يعقلها إلا "العالمون". واحد ممن لم "يعقلوا" هذه النعمة الكبرى، ولم يقدِّروا هذه المِنَّة العظمى هو الذي قدم، أو قدم نفسه، للناس على أنه "استراتيجي" الجزائر، وأنها "لم تلد مثله"، أعني الأخ عبد السلام بلعيد، حيث روى الدكتور يحيى بوعزيز في مذكراته "رحلة في فضاء العمر" أنه التقى في صائفة 1962 الأخ عبد السلام بلعيد، فسأله عن الأوضاع بصفته "فاهما" و "عارفا"، فقال له سي بلعيد: "إن الأوروبيين يهاجرون بصفة جماعية، ويكونون محشرا في المطارات والموانئ بحثا عن الأماكن لمغادرة البلاد، وقال بالدارجة: "خلات الجزائر". (ج2. ص 76). لقد "اختلط" الأمر على الأخ سي بلعيد، فاعتبر "خلا" للجزائريين وجه الجزائر، أنها "خلات" عليها.. وفهوم الناس درجات ودركات..
منقول عن الشروق الجزائري

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...