أضواء على ملحمة أم التونسي في ذكراها الخامسة والثمانين...

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص أو أكثر‏‏
....
آخر صورة للضابط مكماهون التقطت اربعة ايام قبيل مقتله...
مرت منذ أيام الذكرى الخامسة والثمانين لملحمة ام التونسي دون ان تظهر في وسائل الاعلام او مواقع التواصل الاجتماعي أية صورة للاحتفاء بهذا الحدث البارز في تاريخ المقاومة الوطنية ضد الاستعمار باستثناء ندوة نظمتها رابطة المقاومة الوطنية في موريتانيا الشقيقة جرت وقائعها في مدينة نواذيبو.
هذه المعركة التاريخية أثارت حينها سخطا عاما في باريس لأن صداها بلغ امادا واسعة فالفرقة الفرنسية المتنقلة - كما كتب النقيب الفرنسي دوتوه لويوسكي- " هزمت تماما" فقد قتل كل الضباط الفرنسيين الستة وعلى رأسهم الملازم نجل الرئيس الفرنسي أنذاك " ماك ماهون " المعروف عند البيظان باسم "مقمق" بالإضافة إلى حوالي 22 من المجندين المحليين (كوميات ) و10 من الرماة السينغاليين و10 من الجمالة.
وعلى الرغم من مرور خمسة وثمانين سنة على هذا الحدث التاريخي الفريد الذي لم ينل حظه من التوثيق والتدوين فإنه لازال بعض شهوده يقدمون بعض التفاصيل التي تستحق التوقف عندها والتأمل في وقائعها.
وهنا أنقل عن الأب حمودي ولد سيد إبراهيم ولد حمادي جزءا من شهادته كما نقلها عن المجاهد أحمد ولد بوهدة آخر من بقي على قيد الحياة من مجاهدي معركة أم التونسي والذي كان الوحيد الذي حظى بتكريم رسمي من قبل السلطات الموريتانية الشقيقة.
فقد اجتمع المجاهدون قرب سبخة تادخست شرق بوجدور للإعداد للغزوة ثم انتقلوا إلى تيرس وهناك حدثت بعض الخلافات بين أفرادها فانسحب بعضهم من المشاركة في المسير إلى الفرنسيين وطلب المنسحبون من المجاهد مصطفى ولد هويدي الانضمام إليهم فرفض قائلا أنه قد باع نفسه لله في خلوة بينه وبين ربه وكان له شرف الشهادة ضمن سبعة عشرة من إخوانه المجاهدين يتقدمهم قائد الغزوة سيدي ولد الشيخ ولد لعروسي.
ثم مضى المجاهدون عبر إدرار سطف ثم تازيازت دون أن يشعر بهم العدو لانهم كانوا يتحركون ليلا ويمكثون نهارا في مواضع تخفيهم كالاودية او المنخفضات كثيفة النبات ولكن ذات ليلة وحين كان الغزي يسير في منطقة اينشيري اختلط به في الظلام رجل يحث السير على جمله.
كان الرجل من زوايا المنطقة يبحث عن بعض الإبل الضالة فأمره قائد الغزي أن يسير معهم لأنه كان يخشى الوشاية وبعد مسير أيام اطلق القائد سراح الرجل الزاوي مكرها تحت الحاح رفاقه الذين اكدوا ان هذا الرجل صديق وضعيف ولاحاجة لارغامه على المسير معهم وقد يضيع ماله وعياله لو استمر في المسير معهم.
وما ان فارق الرجل المجاهدين حتى أخذ يغذو السير بكل ما أوتي من جهد ليبلغ الحامية الفرنسية باكجوجت خبر مسير المجاهدين تجاه نواكشوط وتفاصيل تسليحهم و تعدادهم تماما كما توقع قائد الغزي.
الحامية الفرنسية ابرقت بالتفاصيل محذرة حامية نواكشوط ثم ارسلت وحدة لتتبع المجاهدين وطلبت الدعم من حامية نواكشوط فالتقت الوحدتان شمال شرق ام التونسي وحين تاكدتا من ان الغزي قد تجاوز هذا المكان في إتجاه نواكشوط قامت الوحدتان بتتبع المجاهدين.
حين حان وقت صلاة الفجر توقف المجاهدون عن المسير كما جرت العادة وسط شجيرات من الفرنان ووضع قائد الغزي سيدي ولد الشيخ ولد لعروسي حارسين شرق الغزي واثنين غربه للتنصت والمراقبة كما كان يفعل في كل نقطة توقف حتى لايفاجيء بالعدو وهذا يظهر كما هو شأن كثير من تصرفاته قبل المعركة وخلالها حنكته كقائد ميداني وتجربته كمحارب باسل خبر الحروب وتمرس بفنونها.
ولم يمض وقت طويل حتى جاء أحد الحراس الشرقيين ليخبر المجاهدين بظهور القوة الفرنسية التي انبأت عنها رائحة تبغ نفاذ التقطها الحارسان بوقت كاف في جو هاديء تميزه زخات خفيفة من المطر فايقنا أن هذا تبغ الأوروبيين ثم بدأت طلائع القوة الفرنسية في الظهور مع انبلاج ضؤ الصباح.
ومع بزوغ شمس يوم الاربعاء 16 ربيع الاخر 1351هجرية الموافق للثامن عشر من اغسطس 1932 لعلع رصاص المجاهدين مصحوبا بالتكبير والتهليل لتسجل ملحمة أخرى من ملاحم الجهاد ضد الاستعمار الذي كان الصحراويون آخر بؤره في المنطقة بعد عقود من المواجهة غير المتكافئة مع القوى الاستعمارية المدججة بالسلاح والذخيرة.
بقلم :د.غالي أزبير

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...