الدور المغربي في منطقة الساحل بين الواقع والتمني


بقلم الدكتور غالي الزبير
--------------------------

يقدم المغرب نفسه للقوى الغربية كلاعب رئيسي قادر على التأثير في مجريات الأحداث التي تعرفها منطقة الساحل الافريقي مضخماً الدور الذي يمكن أن يلعبه “المخزن” بأذرعه الاستخباراتية والمالية و الدينية في هذه المنطقة.

ترى ما هو الدور الحقيقي للمغرب في منطقة الساحل الافريقي؟ وماهي أسباب اصرار المغرب الرسمي على فرض نفسه في منطقة ليس بينه وبينها اتصال جغرافي أو بشري؟

هذا ما تحاول هذه الورقة الإجابة عليه من خلال محاولة الإجابة عن بعض الأسئلة الفرعية التي نصب في سياق الموضوع الرئيسي.

الساحل في الأجندة الغربية

لقد قفزت منطقة الساحل الافريقي إلى دائرة الضوء في وسائل الاعلام ومراكز الدراسات ودوائر صنع القرار الغربي بصورة مثيرة للاهتمام في السنوات الاخيرة ولكن الاهتمام الاوروبي والامريكي بهذه المنطقة أنصب بصورة تكاد أن تكون وحيدة على مكافحة ما يسمونه ” التطرف الاسلامي” وتمدد “تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي” إليها وخطورة ذلك على المصالح الاستثمارية الغربية والفرنسية منها بالدرجة الأولى، في تجاهل كبير لعناصر الاجرام المنظم في هذه المنطقة الواقعة على نقاط الاتصال بين شمال افريقيا وجنوبها وعلى الأخص تجارة المخدرات التي تعتبر مصدر التمويل الرئيسي للعديد من الأنشطة الاجرامية في هذه المنطقة والتي تشكل واحدة من التحديات الرئيسية الموجهة ضد الأمن والاستقرار والتنمية في هذا الجزء الهام من القارة الافريقية.

وفي الحرب الأمريكية الشاملة على ما يعرف بـ” الإرهاب” حرص المغرب على أن يركب موجة “الهلع” الذي أصاب الأمريكيين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ليقدم نفسه شريكاً رئيسيا في تنفيذ السياسات الامريكية الموجهة ضد أعداء “الحرية” كما يسميهم بوش الأصغر، بما في ذلك القيام بأدوار قذرة من قبيل استضافة المعتقلين في مناطق العالم المختلفة وتعريض البعض منهم للتعذيب وسوء المعاملة كما كشفت عنه التقارير التي عرت فظائع معتقلات أمريكا السرية في العالم.

ولكن المغرب الذي يحاول أن يقدمه نفسه – شأنه في ذلك شأن عدد من الدول العربية- كحليف استراتيجي للولايات المتحدة لا يعامل من طرف الولايات المتحدة والقوى الغربية كحليف استراتيجي وإنما كخادم تسند إليه المهام القذرة التي لا تستطيع الولايات المتحدة ممارستها على أراضيها حيث تخشى الحكومة من الرأي العام ومن مسطرة قانونية صارمة لا تحابي.

إن دولاً عربية عديدة شاركت المغرب في لعب ادوار مماثلة في حرب الولايات المتحدة المتواصلة منذ سبتمبر 2001 على التنظيمات الاسلامية كما هو حال مصر وتونس والمملكة العربية السعودية، ولكن أياً من هذه البلدان لا يقوم بمساعي مماثلة لما يقوم به المغرب لإيجاد موطأ قدم في تحديد مستقبل منطقة الساحل الافريقي، مما يجعل رغبة النظام المغربي في كسب ود الولايات المتحدة والدول الغربية من خلال القيام بأدوار تسند إليه في الحرب على ما يسمى “الارهاب” غير كافية لتفسير السعي المغربي المحموم في ايجاد دور له في منطقة الساحل الافريقي، حيث يعرض المغرب نفسه كطرف يرغب في الحصول على دور رئيسي في رسم الخريطة السياسية والأمنية لمنطقة الساحل الافريقي ومالي منها تحديدا في ظل التوترات التي تعيشها هذه المنطقة، وتظهر مساعي الرباط الحثيثة من خلال استضافة المغرب أخيرا لمؤتمر حول أمن الحدود خصص لقضايا الساحل الافريقي والذي سبقته زيارة ملك المغرب لمالي ومحاولات تمدده في هذا البلد عبر القنوات الدينية والدعوية والتلويح بوعود الاستثمارات المغربية في قطاعات حيوية مثل البنوك والاتصالات والبنيات التحتية في منطقة تعيش اثارا كارثية على الاحوال الانسانية التي تعرف صعوبات بالغة نتيجة لغياب التنمية والتوترات العرقية والسياسية وضربات الجفاف المتكرر في هذه المنطقة الفقيرة.

إن الاجابة عن السؤال الرئيسي المطروح في بداية هذه الورقة ينبغي البحث عنها من خلال استحضار ثلاثة عناصر رئيسية في أجندة الرباط في هذا الشأن هي: تجارة المخدرات المغربية والنزاع في الصحراء الغربية ومحاولات التأثير على الجزائر بسبب سياساتها الاقليمية ورؤيته الاستراتيجية.

تجارة المخدرات المغربية عنصر رئيسي في تمويل الجريمة المنظمة:

يحتل المغرب حسب التقرير السنوي للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات، الذي أصدرته في بداية شهر مارس المرتبة الأولى عالميا في تجارة المخدرات عموماً والقنب الهندي بصورة خاصة، ويضيف نفس التقرير أن ما يزيد عن%82 من إجمالي المخدرات التي ضبطتها سلطات الجمارك في جميع أنحاء العالم مصدرها المغرب.

ويقدر الانتاج المغربي من القنب الهندِي بحوالي 40.000 طن، فضلاً عن كون المغرب يظل معبراً رئيسيا لمهربي أنواع المخدرات الأخرى لموقعه الجغرافي القريب من أوروبا، كما تقول مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، في تقرير لها يحذر من تزايد الانتاج والتهريب المغربي للمخدرات.

ويرى وزير الخارجية الصحراوي محمد سالم ولد السالك أن “عائدات المغرب من تجارة المخدرات تصل إلى 37 مليار دولار سنويا، فيما كانت تصل إلى 25 مليار دولار منذ حوالي ست سنوات.” بل وتذهب مصادر أخرى عليمة بأن لكبار المسؤولين في الدولة أدواراً رئيسية في إدارة تجارة بمثل هذه العائدات المجزية.

وهذا القول تدعمه شهادة الباحث المغربي في علم الاجتماع ”عياد أبلال” عندما عد الحشيش واحدة من أربعة دعائم يقوم عليها الاقتصاد المغربي حين يقول :”أن الاقتصاد المغربي وبغض النظر عن التصريحات والأرقام والمعطيات الرسمية، يعتمد على أربعة مصادر انمائية واقتصادية، عائدات الجالية المغربية بالخارج، السياحة، الاستثمارات الأجنبية، وأخيراً عائدات الحشيش… لذلك فإن كل مقاربة للدولة بهذا الخصوص تأخذ بعين الاعتبار أهمية الحشيش الاستراتيجية في الاقتصاد الوطني، بطبيعة الحال لا يمكن للدولة ان تصرح بهذا، كما لا يمكن للدولة ان تحارب الحشيش بشكل جذري في غياب دعم دولي وأوروبي في مستوى عائدات واهمية هذه النبتة بالنسبة للاقتصاد المغربي”.

ثم يضيف ” الدولة تتعامل بذكاء ومرونة مع المسألة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة،….. بمعنى أنها تراقب وتتحكم في القنب الهندي تجارة وزراعة، وإذا كانت هذه المسألة محمودة، في ظل الظروف الراهنة، فإن المستوى الحالي لغسل وتبيض الأموال، وكذا تحكم عدد من بارونات المخدرات في المضاربات العقارية، وفي أزمة السكن بالمغرب بما له من خطورة على المسألة الاجتماعية، وكذا دخول عدد منهم غمار السياسة يشكل خطورة على المشهد السياسي المغربي، وخطورة على مستقبل البلاد بشكل عام”

هذه شهادة خبير مغربي لكيفية تعامل الدولة المغربية في جميع مستوياتها مع قضية بهذه الأهمية من الناحية الاقتصادية، ولكن المخدرات تستعمل في الملف الأمني وفي الصراع الاقليمي بصورة مؤكدة بحيث توفر مصادر تمويل ودعم مالي سخي للمجموعات التي تنشط في مجال الجريمة المنظمة بأنواعها المتعددة في منطقة الساحل الافريقي لاحتياج هذه المجموعات إلى تمويل كبير في منطقة جغرافية شحيحة المصادر وبعيدة عن دورة الاقتصاد الوطني والعالمي.

ويمكن دون مبالغة اعتبار المخدرات جنبا إلى جنب مع الحصول على الفدية جراء خطف الرهائن هما مصادر الأموال الضخمة التي تحصل عليها هذه المجموعات للتزود بالوقود والمؤن وشراء السلاح والأليات الحديثة وتجنيد البشر والتزود بالتقنيات الحديثة في الاتصال والرصد وتحديد المواقع وغيرها.

تقول دراسة أعدها “وولفرام لاشير”من مركز “كارنيجي” للشرق الأوسط بعنوان “الجريمة المنظمة والصراع في منطقة الساحل والصحراء ” نشرت أواخر سنة 2012: “تنبع أهمية النشاط الإجرامي المنظم هناك من أن ثمّة قلّة من الأنشطة البديلة التي تحقق أرباحاً وثراءً سريعاً مماثلاً. وهذا ينطبق خصوصاً على ثلاث مهمّات توسّعت بشكل ملحوظ منذ العام 2003 تقريباً: تهريب صمغ الحشيش المغربي، وتهريب الكوكايين، وعمليات الاختطاف للحصول على فدية. وقد حوّل الأفراد والشبكات الضالعة في هذه الأنشطة ثرواتهم إلى نفوذ سياسي وقوة عسكرية. ووضعت التجارة في السلع المهرّبة المشروعة، والتي تطوّرت في جميع أنحاء المنطقة في العقود السابقة، الركيزة المؤسّسية لتطوير هذه الأنشطة ذات الربحية العالية”.

ولكن السهولة والزيادة المطردة في تدفق المخدرات المغربية إلى منطقة الساحل التي تعتبر المعبر الرئيسي للمخدرات المغربية المتجهة الى الشرق الاوسط ومنها عبر تركيا إلى اوروبا تجد تفسيرها في الدور الرسمي المغربي في مثل هذه العمليات الواسعة، إذ أنه وفي ظل سعي المخزن المغربي إلى التأثير في منطقة الساحل الافريقي سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن الكميات الهائلة من المخدرات المغربية التي تدار نقلاً وترويجا وتجارة في منطقة الساحل الافريقي تتم في غياب الدور الرسمي المغربي وتحالفاته غير المعلنة هناك.

النزاع الصحراوي- المغربي:

السعي الحثيث للمغرب لخلق دور مغربي في منطقة الساحل الافريقي سوى منه الدور الواقعي عبر تجارة المخدرات والارتباط بعناصر الجريمة المنظمة من التجنيد والتمويل أو الدور المأمول في خلق التأثير في دول المنطقة –خاصة مالي- يمكن البحث عن أسبابها في السعي المغربي للتأثير في النزاع الصحراوي المغربي من خلال التغلغل المخابراتي المغربي في النسيج الاجتماعي لمنطقة شمال مالي المرتبطة طبيعيا وبشريا وثقافيا وتاريخيا مع الصحراء الغربية وموريتانيا لتجنيد بعض العناصر المنتمية لهذه المنطقة لخلق البلبلة وعدم الاستقرار في مناطق انتشار العنصر الصحراوي والتمدد عبر هذا الفضاء الجغرافي والبشري للوصول الى العمق الصحراوي الذي فشل الاحتلال المغربي في اختراقه عبر شبكات التخريب السياسي والمخابراتي المتعددة.

محاولات التأثير على الجزائر بسبب مواقفها السياسية وخياراتها الاستراتيجية:

يستحيل الحديث عن الأدوار التي يلعبها النظام المغربي في منطقة الساحل الافريقي الممتدة في تماس طويل مع الجزائر عبر حدودها الجنوبية الطويلة دون استحضار مساعي المخزن المغربي للتأثير في جارته الشرقية عبر التخريب المباشر ومحاولات زرع عدم الاستقرار والتوتر الدائم في الحزام الافريقي المجاور للجزائر الذي ظل منطقة استهداف رئيسي منذ سنوات للعناصر النشطة في مجال الجريمة المنظمة كالإرهاب وخطف الرهائن والتهريب وتجارة المخدرات والهجرة السرية.

نشاط “المخزن” في هذه المنطقة يستهدف بصورة رئيسية اضعاف الجزائر واستنزاف مقدراتها عبر خلق صراعات وتوترات دائمة على حدودها الجنوبية مادامت تجارة وتهريب المخدرات عبر حدودها الغربية قد فشلت بدليل الحجم المهول من الكميات المصادرة من المخدرات خلال السنوات الأخيرة والتي يظل مصدرها دائما المغرب.

المواقف السياسية للجزائر وخياراتها الاستراتيجية التي تزعج الطبقة الحاكم في المغرب هي التي تدفع بالمغرب الرسمي الى الانخراط في حرب غير معلنة ضد الجزائر يتم فيها استعمال كل الاسلحة القذرة ليؤكد المغرب مرة أخرى طبيعته كمصدر للجريمة وعدم الاستقرار في محيطه المغاربي والافريقي.

الدور المغربي في الساحل الافريقي بين الممكن والمستحيل:

وبخلاصة فإن الجهود المغربية الأخيرة لتقديم نفسه كلاعب مهم في منطقة الساحل الافريقي والذي يظهر من خلال مساعيه المتعددة للمشاركة في رسم السياسات المستقبلية في هذه المنطقة عبر بوابة الاستثمار مرة وبوابة الدين مرة، وبوابة الحرب على الارهاب مرة ثالثة تظل كلها مجرد لعب في الوقت الضائع لان انعدام التواصل الجغرافي والبشري بين المغرب وهذه المنطقة سيجعل من الادوار المغربية المتمناة مجرد خطوات غير ذات أثر، في حين تظل الأدوار الواقعية التي يقوم بها المغرب الرسمي عبر تجارة المخدرات والارتباط بعناصر الجريمة المنظمة وزرع القلاقل هي الأدوار الحقيقية التي تستطيع الرباط لعبها في هذه المنطقة الافريقية والتي راكمت فيها الرباط تجارب متعددة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...