الانتخابات القبلية

‏‎Abdou Sidi Mohamed Ahmed‎‏
الاستاذ عبدو سدي محمد

سبق ان كنت في زيارة عمل لدولة انجلوفونية و مررت بمركز اداري كبير يتبع له قرى بكثافة سكانية تفوق 8 ملايين ولفت انتبهي الهدوء التام خلال فترة اوج الحملات الانتخابية و الدعائية وعند السؤال عن السبب كان الجواب غريبا اتفق السكان على مقاطعة الانتخابات النيابية و تحريم اي نوع من الدعاية او الترشح على كافة امتداد الحيز الجعرافي للمركز الاداري الا بثلاثة شروط هي :
1 / توفير الماء و الكهرباء لكافة السكان
2 / توسيع المدارس لتشمل جميع القرى لضمان عدم سفر التلاميذ للدراسة خارج قراهم
3 / ربط القرى بطريق معبد
وبعد فترة زمينة رجعت و لم استطيع تمييز المكان وعندما سالت السائق ضحك و قال لي هذا المركز الاداري المقاطع وقد تنافس المترشحون و تم انجاز اكثر من 90 في المئة من الطلبات.
وهنا و حفاظا على اللباقة و الاتيكيت لن اسقط هذه الصورة على ما يجري هذه الايام و بالتاكيد انا لست ضد الحكومة ولا مع المعارضة المشاركة او المقاطعة و لكنني مواطن اتقدم باسم العاصمة والعاصمة فقط لتحقيق اي شرط من الشروط الثلاثة و في حالة الاستحالة اضيف طلب رابع هو تنظيف المدينة من القمامة و الاوساخ و البرك الراكدة و الجامدة.
لا شك انني اغرد خارج السرب لان لا شئ سوف يتحقق من الشروط لان الطابع القبلي و الفئوي و الطائفي و الجهوي و العصبي هو شعارات الحملة الانتخابية و على كل حزب اي بالمفهوم الجمعوي و ليس السياسي يرقص على نغم فارس القبيلة و ما نراه الان هو حقلة من حلقات مسلسل جاهلي لامجاد و اولاد و شعراء وفرسان الحي.
وللاسف الشديد القبيلة و الجهة صارت وسيلة ضغط ناجحة في الانتخابات فهي مصدر توزيع الغنيمة من التعيينات و الترقيات و البريستيج الاجتماعي و نحن على مشارف الاحتفال بالذكرى 53 لعيد الاستقلال الوطني ننظر و نقارن اين صرنا و كيف اصبحنا ؟
53 سنة من تجسيد و تعظيم و تفخيم الذات و في الواقع لا شئ على الارض سوى اننا دولة نصنف تصنيفا غريبا و مضحكا و متناقضا فنحن نتارجح بين الرتبة الاولى و الاخيرة عالميا فنحن نمتلك اطول قطار في العالم و اغنى مناجم المعادن في العالم و اطول شاطئ و اجود انواع الاسماك و الرخويات و هلم جرا في العالم و لدينا اراضي جغرافية شاسعة و ثروة حيوانية هائلة و ارض خصبة و ... الخ ورغم ذلك نحن نصنف من افقر دول العالم و اعلاها نسبة في الامية و الفساد و الرشوة و الاسغلال الممنهج لثرواتنا البحرية و البرية و المعدنية
ونحن من اكثر الدول التي تعاني من عدم الاستقرار السيلسي و الانقلابات وضعف و انعدام البنى التحتية من مدارس و مستشفيات و طرق ونحن من اكثر الدول غلاءا في المعيشة بالخصوص اللحوم و الاسماك و الالبان ... ولا شك ان كل المترشحين السايقين و اللاحقين على دراية تامة بما ذكرت و بل قد تكون لديهم معلومات اوفر و ادق مما لدي لكن الظروف القبلية المحيطة تفرض على الفارس خوض غمار الانتخابات ليس حبا في الوطن او المواطن و لكن لحاجة في نفس القبيلة ..... عندما ينظر اي مترشح الى نظرات البؤساء في الاحياء القصديرية و البوادي و الى اهات المرضى و المحرومين و المهمشين و عندما ينظر الى عرق العمال في الشركات الاجنبية و ترف الاجانب عندما ينظر الى الشوارع و الاوساخ و الطرق و فواتير الكهرباء المرتفعة سوف بدون ادنى شك يرى حجم المسؤولية و جسامة المهمة و الا سوف يكون صورة طبق الاصل مكررة تؤكد ما يقوله العالم عنا .
ان الكم الهائل للاحزاب يذكرني بالتراخيص المجانية للمدارس الحرة و الصحف و الجرائد و المؤسسات الوهمية ان الواقع هو نبض الشارع والحقيقة هي رؤية الاخر و ليس الرؤية الوردية داخل الصالونات الفخمة و الموائد المتخمة .... ان الواقع يفرض التغيير نحو الاحسن و الافضل مع الحفاظ على الجانب القبلي من الناحية الاجتماعية و صلة الرحم .... يجب ان نفكر بعقل اليوم و ان نرى بعين المستقبل و على المواطن ان يدرك ان 53 سنة من عمر الولة كافية لبناء البنى التحتية و جعل المواطن يعيش و يشعر باهمية الدولة و لكن وللاسف الشديد لا زلنا نعيش عصر الفارس دونكي شوت دا لا مانشا و نصارع الطواحين .....
كل عام و موريتانيا بالف خير

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...