لسنا يتامى التاريخ ...

د.نبيل الجزائري

حقد كبير من فرنسا و ازلامها في الداخل و الخارج لم يعد قادرا على الاختفاء في الظلام . تصريحات ماكرون الأخيرة تعكس الصراع التاريخي و الحضاري الذي لم يستوعب عمقه الاستراتيجي بعض النخب السياسية و الثقافية و الفكرية العميلة الذين ينشرون مغالطة : الجزائر تاسٌست بمرسوم استعماري فرنسي في القرن التاسع عشر ( 1839).

لعل ماكرون هو ثاني رئيس فرنسي يجهر علانية و بوقاحة كبيرة النزعة الاستعمارية الاستكباررية بعد سلفه الأسبق جيسار ديستن الذي سمٌى كلبه ' يوغرطة ' البطل الجزائري المغدور قاهر الرومان لأكثر من سبع سنوات الحق بجنرالاتهم هزائم كبرى ما زالت تحدث غصٌة في حناجرهم حتٌى اليوم ، و كان ردٌ الوزير الجزائري حينها مولود قاسم نايت بلقاسم رحمه الله أن اشترى كلية و سمٌاها ' جون دارك ' . قال ديستان و هو يزور الجزائر بلغة الاستعلاء : “فرنسا التاريخية تمد يدها للجزائر الفنية " متجاهلا أن تاريخ طاسيلي (ولاية تمنغاست) اقدم من تاريخ فرنسا نفسها .
الوجود العثماني في الجزائر لم يكن تركيا من حيث العنصر البشري ( مثلا بابا عروج و خير الدين كانا من عنصر الألبان ) ، و هو ردٌ استغاثة إخوانهم الجزائريين في العقيدة ضدٌ حملات الاسبان الصليبية التي ذبٌحت الآلاف من المسلمين الفارين من الأندلس و استحوذت على المرسى الكبير و وهران و بجاية و مدن أخرى في السواخل التونسية و المغربية ( سبتة و مليلة حتٌى اليوم ) بعد خيانة أمراء الداخل و تعاون بعضهم مع العدوٌ الاسباني . و قد استشهد القائد بابا عروج و هو يدافع عن مدينة تلمسان ضد الغزو الاسباني سنة 1518م، وقُطع رأسه وحُمل مع ألبسته إلى إسبانيا التي طيف بها في أغلب المدن الإسبانية ثم أودعت في كنيسة سانت جيروم في قرطبة.
يعجبني ما يقوله عن الجزائر الأمة و المجتمع المؤرخ الجزائري مصطفى الاشرف : " ومهما تصورنا الكيان الجزائري؛ كأمٌة متمثلة في دولة؛ أو أمٌة متمثلة في شعب؛ أو مجرد وطن قومي موحد الكلمة, فان الجزائر قد توفر فيها عامل أساسي جعلها تصمد طيلة130سنة,أمام دولة إمبريالية قوية , وترغمها على الرجوع إلي الحق ." و لعل- في رأيي ,المتواضع - العامل الأساسي هو الشعور بالانتماء الذي أرست قواعده مملكة نوميديا و ما جاء بعد الفتوحات من دول إسلامية أمازيغية جزائرية ( المغرب الأوسط ) أبرزها دولة الزيانيبن التي استمرت لاكثر من ثلاثة قرون ( 1236-1554) و كانت عاصمتها تلمسان في وقت كان مرض الطاعون - عافاكم الله - يفتك بالفرنسيين ( أكثر من نصف سكان فرنسا ماتوا بالطاعون في القرن الرابع عشر للميلاد ).
ماكرون يا انت .. خذ حقيبتك و لا تعد ابدا إلى القصر !
ن.ج

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...