وداعا يا صديقي الخائن


بقلم سلامة عبد الله
نشأنا بين أحضان مخيمات العزة والكرامة كما تعلم إن  لم يكن أكثر ماتحن للعودة إليه ...
كنا أطفالا نلعب بالتراب ونتنفس الغبار وقمة السعادة التي  تفوح رائحتها  من كل ركن نمر به تتعالى ضحكاتنا فنصم أذان الاخرين بضجيج العابنا التي لم نصرف فلسا واحدا للحصول عليها ..
اتتذكر  يا صديقي ..كانت اخميسة هوايتنا وطاب العبود واكبيبة ملهاتنا. .اتتذكر يا صديقي حين كنا نحاول تقليد الكبار بلعبة اراح. ،لكن ههههههه سرعان ما كانت تنتهي ببكاء أحدنا   ..
آه كم كنا طفلين نتقاسم كل شي حتى  أصبحنا نتقاسم الأمهات..اتتذكر كيف كنت اغار منك حين تأتي لخيمتنا فتسرع امي بجلب ما أخفت عني من الحلوى لتعطيه لك ..كم بكيت لأمي كي تأذن لي أن  انام عند خيمتكم .. اتذكر جيدا حين كانت تغضبك السالكة (امك) فكانت عبارتك الدائمة:(انت قاع مانك امي انا امي الا افلانه اللي اتقوملي دائما الحلوى واتم الا اتماريني..فكانت السالكة تضحك لانفعالك هذا وتقول لك:- افلانة إثر ايقد حد ايعود كيفتها ذيك اختي وامي وام الناس كاملة،الا ايبطي شكرها....لم اكن احسبك صديقا بل اخي شقيقي ...أو هذا ماتربينا عليه....
صديقي القديم أكتب لك وأحاول جاهدا التقاط أنفاسي من بين عيون انهكتها شلالات الدموع ودماغ يئن تحت وابل من الذكريات...
وبدون أن نشعر كبرنا فتارة نمثل الدائرة فى المنافسات والمسابقات وتارة أخرى نمثل الولاية وعندما ننتهي كان كل منا يبحث عن الآخر فنشق طريقنا بين أحياء الدائرة وكل منا يكاد يطير فرحا بما أحرز فريق دائرتنا من انتصارات...وحين نمر تعلو الزغاريد التي يشقها  صوت مسؤول الدائرة قائلا :لايقلعكم عني والنصر النصر النصر.....
لقد تعلمنا الوفاء منذ الصغر كل منا للآخر ثم للدائرة. .فالولاية. .فالدولة ...
كبرنا وكبر حبنا وكبرت معنا احلامنا ولم يفرقنا الزمن ...اه كم أتذكر بوضوح ذلك اليوم المشؤوم. يوم عدت من الناحية ورأيت تلك النظرات في عيون اهل الحي وأنا أعبر باتجاه خيمتكم. ..كم هي موجعة تلك الهمهمات التي تصدر من تلك الأفواه تلتقط منها كلمة وتنكر أخرى قبل أن تصل مسمعك فتبدأ خناجر الحيرة تمزق أحشائك في صمت مؤلم،... بخطوات متعبه وفكر شارد وصلت خيمتكم ليقع عليا الخبر وقع الصاعقة صديقك فلان عاد ...لقد خانك...وخاننا...   
بت تائها  في الشوارع لا أعرف أي أمواج تلك التي تحملني ..أبحث هنا وهناك علي أجد عذرا لتصرفك هذا. حتى انهكني البحث، فلم احد بدا من البحث بين نظرتي التائهة وخيوط سجائري المتناثرة بين اناملي علها ترحمني ..بحثت حتى في القمامة علها تتصدق عليا بعذر أدافع به عنك ..ويا لعبث جهدي حتى القمامة أبت على نفسها أن تحوي عذرا للخيانة..اه حتى القمامة!!!!
حتى أمي التي احبتك لم تعد تطيق ذكر اسمك،فما تسمعه الا وتقول دون قصد وبين آهات  الألم(اخلعنا وا واجعة).. ورغم ذلك لازالت مواظبة على زيارة ضريح صديقتها (والدتك السالكة) وفاءا منها لصديقتها التي قضت نحبها من اجل اغلى شيء وهو  القضية الوطنية....
فشجاعتي التي كنت تصفني بها يا صديقي تلاشت حين فكرت في الاعتذار عنك..اني أتوارى عن عيون الجميع واتحاشى أن تلتقي نظراتي بنظراتهم  ليس خوفا منهم بل من مرارة الصفعة التي أصبحت عادة في يومياتي "حق صاحبك افلان خان.."
ماذا سأقول لصاحب الدائرة واصدقاء الناحية ماذا سأقول لكل هؤلاء وغيرهم من عاشوا مرارة التشرد والحرمان. .وبأي وجه يا صديقي سانظر في عيون عائلات الشهداء والجرحى و المعتقلين وأبطال ملحمة اقديم ايزيك وجماهيرنا المناضلة القاهرة لبلطجية المخزن كما أصبحت تسميه انت يا صديقي الخائن. ..
يا صديقي. لقد رحل بالأمس أعز إنسان على قلبي ..لقد رحلت أمي الطيبة الغالية المخلصة ..رحلت في صمت وهدوء وبخطوات غير مرتعشة ..رحلت وانا ابلل صدرها بشلالات من الدموع..يا صديقي حتى في لحظاتها الأخيرة ومن بين ثنايا انفاسها المتقطعة ومن بين فياقة وغيبوبة اشارت ان احضر لها العلم الوطني الذي اخاطته ووالدتك السالكة فاحضرته لها لتحتضنه على صدرها مغمضة العينين للمرة الاخيرة. ..وكانها تبعث لي ولك ولكل صحراوي وصيتها الأخيرة ان
الدولة الصحراوية مستقلة هي الحل ...في تلك اللحظة شعرت بمقت شديد لك فاحسست اني أودعك للأبد لأن طريقنا لم يعد واحدا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حكايات النّاس

خوسيه موخيكا...ست رصاصات في الجسد ونضال ضد الدكتاتورية

الريف الجزائري بجماله الخلاق مع الشاعر الجزائري محمد العيد ال خليفة الرقيق المبدع الساحرة كلماته ...